قبل أكثر من 40 عامًا، وقّعت بغداد والرباط اتفاقية لإيفاد فلاحين مغاربة للعمل في القطاع الفلاحي بالعراق. لكن هؤلاء الفلاحين تضرروا جراء حربي الخليج والغزو الأمريكي لاحقا، ليعودوا إلى المغرب بعد سنوات قضوها هناك، وظلوا يطالبون بتعويضهم باعتبارهم ضحايا حرب.
مطالب هذه الأسر، التي هاجرت إلى العراق في بداية الثمانينات من القرن الماضي، انتعشت مجددا بعدما اتفقت السلطات المغربية والعراقية على تشكيل لجنة مشتركة بين البلدين للنظر في تعويضهم.
وعاش هؤلاء المغاربة في العراق خلال حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران (1980-1988)، ثم خلال حرب الخليج الثانية التي شنها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي.
وفي بداية التسعينات، اضطر العديد منهم إلى مغادرة العراق أثناء حرب الخليج الثانية، حيث نزحوا برا نحو الأردن ثم توجهوا إلى المغرب. بينما اختار آخرون البقاء في العراق رغم ظروف الحرب، إلا أنهم اضطروا للمغادرة في عام 2003 بسبب الغزو الأمريكي.
بروتوكول 1981
بدأت حكاية هؤلاء الفلاحين في بداية الثمانينات عندما تم انتقاؤهم للعمل في العراق، بعد أن وقعت الحكومتان العراقية والمغربية اتفاقا ينظم إيفاد هؤلاء الفلاحين وأسرهم ويكفل حقوقهم ويبين واجباتهم.
في سنة 1981، في ظل حكومة المعطي بوعبيد الثانية، وقع عن الجانب المغربي وزير التجارة والصناعة والملاحة التجارية، عز الدين جسوس، وعن الجانب العراقي عضو مجلس قيادة الثورة ووزير التجارة، حسن علي، اتفاقا في العاصمة العراقية بغداد.
ونص الاتفاق، الذي استند إلى اتفاقية لتنظيم اليد العاملة المغربية بالعراق موقعة في ماي 1981، على إيفاد الفلاحين المغاربة وعائلاتهم مقسمين إلى أفواج، وترك تحديد تواريخ سفر هذه الأفواج وكافة الترتیبات المتعلقة بها إلى اتفاق مشترك بين الطرفين.
كما نص على أن تنقل أسرة كل فلاح مغربي معني إلى العراق “بكامل أعضائها ضمانا للاستقرار النفسي”، لكنه اشترط ألا يزيد عمر الفلاح رب الأسرة الموفدة عن خمس وأربعين سنة، وأن لا يكون مالكا لقطعة أرض زراعية في المغرب.
وتحمل العراق، آنذاك، جميع مصاريف سفر أسر الفلاحين المغاربة، وخصص لكل رب أسرة منزلا مؤثثا للسكن دون مقابل، بما في ذلك الإعفاء من مصاريف الماء، كما تعهد بتمليك هذه المنازل لهذه الأسر بعد عشر سنوات.
ولمساعدتهم على الاستقرار، خصصت السلطات العراقية لكل فلاح مغربي مبلغا قدره خمسون دينارا شهريا خلال الأشهر الثمانية الأولى ابتداء من تاريخ وصوله، وذلك لتغطية مصاريف العيش. كما منحتهم مجانية استهلاك الكهرباء خلال نفس الفترة.
وفور وصولهم إلى العراق، منحت السلطات العراقية لكل فلاح مغربي قرضا بدون فوائد بمبلغ 300 دينار عراقي، يتم استقطاعه بعد مرور سنة على إقامته في العراق، على مدار ست سنوات وبأقساط سنوية قدرها خمسون دينارا.
الاتفاق ذاته خول لكل فلاح رب أسرة مغربية الحصول على قطعة أرض زراعية “مروية ومستصلحة وغير قابلة لأي احتمال للملوحة”، تتراوح مساحتها بين (7.5 إلى 10 هكتارات)، للتصرف الدائم والمستمر، وهي الأراضي الزراعية التي ظل يستغلها هؤلاء الفلاحين طلية مقامهم بالعراق.
ووفرت السلطات العراقية، طبقا للاتفاق، المياه الكافية، وفي كل وقت، للفلاحين المغاربة لري مزروعاتهم “والتطهير الذي قد تستوجيه المحاربة الدائمة للملوحة، وإن استعصى ذلك فان القطعة الأرضية الزراعية المعنية تستبدل”.
كما “يمكن لكل ولد فلاح رب عائلة مغربية موفدة إلى القطر العراقي، بلغ سنه ثمانية عشر عاما، أن يحصل على قطعة أرض زراعية بنفس الشروط المنصوص فيها في هذا البروتوكول”، بحسب ما ورد في الاتفاق.
وتتحمل سلطات بغداد، وفق الاتفاق ذاته، مصاريف الإياب بالنسبة لكل أسرة مغربية موفدة إلى العراق ترغب في العودة إلى المغرب “لأسباب قاهرة أو بطلب من الجانب العراقي”.
مطالب متجددة
وظلت الأسر المغربية العائدة من العراق، تطرق أبواب وزارة الخارجية المغربية بين الفينة والأخرى، لمطالبتها بطرح ملفها على السلطات العراقية، من أجل تعويضها باعتبارها تضررت من حربي الخليج.
وعادت هذه المطالب إلى الواجهة مرة أخرى بإعادة فتح السفارة المغربية بالعراق سنة 2023، بعد 18 عاما على إغلاقها، كما انتعشت أيضا بإعلان وزير الخارجية ناصر بوريطة الاتفاق مع الجانب العراقي على تشكيل لجنة مشتركة.
وتنص المادة 14 من الاتفاق الموقع بين البلدين على أن تؤلف لجنة مشتركة مغربية عراقية تعقد لقاءات بطلب من أحد الطرفين المتعاقدين، لغرض السهر على حسن تنفيذ مقتضيات الاتفاق بصفة عامة.
وفي حديث لجريدة “العمق”، تفاءل عدد من الفلاحين المغاربة، الذين كانوا يعملون بالعراق، خيرا بإعادة افتتاح السفارة المغربية ببغداد، وبالاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة بين البلدين.
وقال بوريطة، في جواب على سؤال كتابي للمجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، إن العراق اقترح تشكيل لجنة مشتركة مغربية عراقية لحل هذا الموضوع وفق ما تنص عليه بنود الاتفاق.
وأضاف أنه تم التوافق على تشكيل الجانب المغربي عن اللجنة المشتركة، والتي ضمت ممثلين عن كل قطاع، مهمتها التفاوض مع الجانب العراقي بشأن التعويضات، مشيرا إلى أن من بين الفلاحين من سبق لهم الاستفادة في إطار البرنامج الأممي “النفط مقابل الغداء”.
وأخبرت المملكة، بحسب بوريطة، العراق بتشكيل الجانب المغربي عن اللجنة، ودعته إلى تسريع تشكيل نظيره العراقي، وتحديد موعد لانعقاد اجتماعات اللجنة المشتركة ببغداد.
0 تعليق