حصري .. وزير الأوقاف يرد على بنكيران برسالة “شكوى إلى الله” حول تصريحات “العلمانية” - الخبر الان

0 تعليق ارسل طباعة

في رسالة مطولة حملت عنوان “شكوى إلى الله”، مليئة بالعتاب والتوضيح، عبّر وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، عن استنكاره لتصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، التي أدلى بها في تجمع حزبي، حيث نُسب إلى الوزير قوله إن “الدولة المغربية علمانية”، وهو ما اعتبره التوفيق “بهتانا وتحريفا” لكلامه.

تصحيح المغالطات

وفي بداية رسالته، التي توصلت بها جريدة “العمق”، أشار التوفيق إلى أن بنكيران ذكر كلامه بطريقة فهم منها الجمهور أنه أقر بعلمانية الدولة، نافياً ذلك بشكل قاطع، حيث أكد أن: “الدولة المغربية دولة إمارة المؤمنين، وأنا خادم في باب تدبير الدين منذ أكثر من عقدين، ولم أذكر الدولة في هذا السياق“.

وأوضح التوفيق أن مثل هذه التصريحات لا يمكن أن تغيّر الحقائق المتعلقة بالدين ومكانته في الدولة المغربية، مشيراً إلى أن إمارة المؤمنين هي الضامن الأساسي لحماية الدين وقيمه القطعية، ومشدداً على أن هذا الدور لا يحتاج إلى “دفاع” في تجمعات حزبية أو أمام الجمهور، لأن الحقائق الدينية ثابتة ولا تتغير بتصريحات أو مزايدات.

دعوة للتبين والتحري

انتقد الوزير بشكل واضح لجوء بنكيران إلى التصريح العلني دون محاولة التثبت أو استفسار المعني بالأمر، قائلاً: “كان عليك أن تسألني مباشرة عما قلته وما قصدته، قبل أن تتسرع في إصدار أحكام خاطئة”. واعتبر أن هذا السلوك يعكس نزوعاً إلى الاتهام دون التثبت، مما يشكل، بحسب تعبيره، نوعاً من “البهتان” الذي يضر بالمصداقية السياسية والأخلاقية.

النظام الحزبي والسياسي بين الدين والعلمانية

خاض التوفيق، في رسالته لعبد الإله بنكيران، في مقارنات بين النظام السياسي المغربي والنظم الغربية، لافتا إلى أن الأحزاب السياسية العصرية، بما فيها حزب العدالة والتنمية، تعمل في إطار مقتبس من الأنظمة الغربية ذات الطابع العلماني، خاصة فيما يتعلق بآليات العمل السياسي كالانتخابات، التشريع، والتحالفات.

وأضاف أن بنكيران نفسه، خلال فترة ترؤسه للحكومة، اشتغل على إعداد وتنفيذ قوانين ومشاريع مستوحاة من مرجعيات غربية تخدم المصلحة العامة، مثل تكافؤ الفرص والحريات الفردية والمواطنة، مؤكدا أن ذلك لا يتعارض مع خصوصية النظام المغربي الذي يمزج بين هذه القيم الحديثة وحماية الدين عبر إمارة المؤمنين.

وقال التوفيق في هذا السياق: “أنت، كرئيس سابق للحكومة، كنت مضطراً للعمل ضمن تحالف حكومي يضم أطرافا تختلف في فهمها أو قناعاتها الدينية. هذا الواقع يعكس طبيعة النظام السياسي العصري المقتبس من العلمانية”.

إمارة المؤمنين وحماية الدين

شدد الوزير على أن السياق المغربي يتميز بتوازن فريد يحمي الدين من جهة، ويتيح الحريات الفردية والجماعية من جهة أخرى، مضيفاً أن هذا التوازن هو ما يحول دون الانزلاق إلى نموذج العلمانية الغربية المطلقة التي لا مرجع فيها سوى الأغلبية العددية.

وأوضح أن إمارة المؤمنين تضمن حماية القيم المجتمعية والدينية في المغرب، وتعمل على تيسير ممارسة العبادات، باعتبارها مطلباً أساسياً لأغلبية الشعب المغربي.

العلاقة بين الدين والسياسة

تطرق التوفيق إلى التعقيدات الفكرية التي تحكم العلاقة بين الدين والسياسة، مشيراً إلى أن مفهوم العلمانية ليس مفهوماً بسيطاً، بل هو معقد حتى في بيئته الأصلية، حيث تختلف تطبيقاته بين الدول الغربية. وذكر مثالاً عن ألمانيا التي تجمع رسوماً رسمية من المواطنين لدعم الدين، ما يعكس تبايناً في فهم وتطبيق العلمانية.

وفي السياق نفسه، دعا التوفيق إلى اعتماد خطاب سياسي أكثر نضجاً ووضوحاً، قائلاً: “التستر والنفاق السياسي لا يمكن أن يقود إلى النضج المطلوب لفهم السياقات المركبة التي نعيشها”.

دعوة للأخلاق في الخطاب السياسي

اختتم التوفيق رسالته بتذكير بنكيران بأن السياسة المغربية قادرة على تقديم نموذج فريد يحل الإشكالات الفكرية المتعلقة بالعلاقة بين الدين والسياسة، شريطة أن تكون النوايا صادقة، وأن يُبتعد عن تحويل الدين إلى أداة للاستقطاب السياسي والشعارات الجوفاء.

واعتبر أن الأخلاق، في جوهرها، هي المعيار الحقيقي لنجاح أي مشروع سياسي أو ديني، مشيراً إلى أن هناك من المسلمين من يعجبون بأخلاق شعوب الدول العلمانية، وهو ما يعكس أهمية التركيز على الأخلاق في المقام الأول.

وختم رسالته بالقول: *”إن ما دفعني إلى كتابة هذه الشكوى ليس لإقناعك أو الدفاع عن نفسي أمام ما صدر عنك، وإنما لإعلاء قيمة الصدق في الخطاب السياسي والديني، ولتكون هذه الكلمات شهادة أمام الله والتاريخ. إن الدين ليس أداة للمزايدة أو وسيلة لتحقيق مكاسب آنية، بل هو منظومة قيمية تستند إلى الأخلاق في أرقى صورها، والتي يجب أن تنعكس في سلوكنا كأفراد وكسياسيين.

وأضاف: “إذا أردنا أن نرتقي بممارستنا السياسية، فعلينا أن نستلهم من الدين جوهره الأخلاقي والإنساني، لا أن نحوله إلى ساحة للمناكفات والمزايدات التي تضعف ثقة الناس في خطابنا وتخلق الفجوة بين القول والفعل”.

وختم التوفيق رسالته بتعبير عن الأمل في أن تكون هذه المناسبة فرصة لإعادة التفكير في طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة في المغرب، مشدداً على أن إمارة المؤمنين تظل النموذج الذي يضمن الانسجام والتوازن، وأن العمل على تعزيز هذا النموذج يتطلب الابتعاد عن ازدواجية المعايير، سواء في الدين أو السياسة.

بنكيران: المغرب ليس دولة علمانية

وكان عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، قد قال إن المغاربة مسلمون ولا يمكنهم بأي حال من الأحوال التنكر لأصولهم وهويتهم الدينية، مشددا في رد ضمني على تصريحات وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية التي وصف فيها المغاربة بالعلمانيين، على أن “المغرب دولة إسلامية وليست علمانية”.

وأوضح ابن كيران في لقاء حزبي مؤخرا بإقليم تارودانت، أن المغاربة تاريخيا كانوا وما زالوا متمسكين بدينهم، مشيرا إلى أن الدولة المغربية تواصل الحفاظ على هويتها الإسلامية عبر تاريخه الطويل. وقال إن المغاربة ليسوا فقط متمسكين بالإسلام كدين، بل إن هذا التوجه هو جزء لا يتجزأ من كيان الدولة المغربية، التي يحكمها أمير المؤمنين. وأضاف أن هذا اللقب الذي يحمله الملك ليس جديدا بل هو امتداد لتاريخ طويل من الوحدة بين الدين والدولة.

وأكد الأمين العام لحزب “المصباح”، أن المغرب لم يكن أبدا دولة علمانية، و أن المغاربة عبر العصور تمسكوا بقيمهم الدينية، مسجلا أن الدولة المغربية، كانت ولا تزال تحتفظ بتقاليدها الدينية التي أسس لها الأسلاف، ومنهم السلطان محمد بن عبد الله الذي كان له دور محوري في تعزيز التعليم الديني في البلاد.مطاعم مغربية.

وفي مايلي نص رسالة أحمد التوفيق لعبد الإله بنكيران كما توصلت بها جريدة “العمق”.

 

 

 

شكوى إلى الله
موجهة، قصد الاطلاع، إلى الأستاذ عبد الإله بنكيران

السيد الرئيس،
شكوت بثي إلى الله وآثرت أن تطلع عليه. بلغني أنك ذكرت كلامي في تجمع حزبي، ونسبت إليّ ما فاتك فيه التبيّن وجانبك اليقين. ذكرت ما فهم منه الناس أنني قلت إن الدولة في المغرب علمانية، وأنا لم أذكر الدولة؛ لأن الدولة دولة إمارة المؤمنين، وأنت تعرف أنني، بفضل الله، خديماً في باب تدبير الدين منذ أزيد من عقدين من الزمن.

السيد الرئيس،
لقد ألزمت نفسك بما لا يلزم، لأن مجرد كلام شخص أو حتى آلاف الأشخاص، لا يفيد في تغيير الحقيقة في مثل هذا الأمر الخطير. أمر لا يحتاج إلى من ينتصب “للدفاع” عنه في المجامع، وأقصد أمر النسبة للدين أو التعلل منه. فالأئمة لها صبغتها ولا تبديل لهذه الصبغة بزعم أو رأي أو تأكيد أو نفي.

أيها الأستاذ الرئيس،
كان عليك وقد نُقل لك ما قيل، أو سمعت كلمات “عجلى” قيلت في البرلمان، كان عليك أن تكلمني وتسألني ماذا قلتُ وما ذا أردت أن أقول، وحيث إنك لم تفعل فإنك قد استعليتَ فحاديتَ بالبهتان.

أيها الرئيس،
إن الشخص الذي حاورته في الموضوع مسؤول نبيه يعرف المغرب، وهو متدين في نفس الوقت، ولكنه يعيش في نظام لا يرى الدين حاجة جوهرية للإنسان يجب أن تحميها الدولة، ولكل وجهة هو موليها.

أيها الرئيس،
إنك رئيس حزب سياسي عصري، والحزب السياسي العصري مقتبس من نظام غربي علماني، وإنك منتخب على أساس تكافؤ أصوات الناخبين بغض النظر عن معتقداتهم وسيرهم، وهذا الأمر مقتبس من نظام غربي علماني. وإنك عندما كنت رئيساً للحكومة قد اشتغلت على نصوص قوانين تخدم المصلحة العقلانية وتُعرض على تصويت البرلمان، وهذا أمر مقتبس من نظام غربي علماني، لأنك لو أردت أن تستشير شيوخ طائفة لأضعت كثيراً من الوقت بسبب خلافاتهم، وقد قمت بتمرير عدد من القوانين بمرجعية وفاق أو قرارات دولية، وهذا الشأن مقتبس من نظام غربي علماني. وقد كان عليك كرئيس للحكومة أن تقتنع بالحريات الفردية كما ينص عليها الدستور وتحميها قواعد النظام العام، وهذا أمر مقتبس من سياق غربي هو سياق العلمانية، وكان من مراجعاتك أيها الرئيس كل ما يتعلق بالمواطنة، وهو مرجع مقتبس من سياق تاريخي علماني، وإن كنا نجده له بعيديا، التفاصيل في تراثنا الديني.

هناك عشرات من الظواهر الأخرى دخلت في حياتنا من اللقاء بهذا النظام وتتبناها بعنوانها الذي هو “التقدم” دون أن نحس بأي غضاضة، ولكي نفهم قبل أن نتوقف عند ما لنا وما لهم يجب أن نظل مستحضرين أن تاريخ الناس، كل الناس، جارٍ في كل الأحوال بقضاء الله وقدره، وسننه، سبحانه، فضاء مفتوح بين سائر في الأرض ونظر.

يجري كل ما ذكر في سياق هذه المملكة في أمن وانسجام لأن إمارة المؤمنين تحمي كليات الدين وقطعيّاته، ولولا ذلك لعشنا العلمانية التي لا مرجع فيها سوى الأغلبية، وأنت كنت مضطراً إلى تحالف حكومي، ولا يفترض أن يكون حلفاؤك فيه على نفس الاقتناع أو الفهم للدين، وهذه خلطة أخرى “طيبة” متأصلة في مطبخ العلمانية.

الواقع أننا نعيش في أوضاع مركبة ليست لنا لا الثقافة ولا الإرادة الصادقة للتميز بقصد فهمها، وقع هذا منذ أن دخل حرف جرنا إلى جملة نظام صنعه الغير كما صنع أسلحة الغلبة، وكان بإمكاننا لو استطعنا أن نغزوه بالأخلاق. أما عدم التميز فهو قصور في النصج السياسي الذي لا يأتينا بالتستر والنفاق.

هكذا أيها الرئيس أقنعتُ محاوري بأن كل القيم العقلانية المتعلقة بالاجتهاد، في حرية، هي التي عليها العمل في سياقنا، سياق حرية الدين التي هي أصل في الإسلام، وإنما النعمة عندنا أن إمارة المؤمنين تحمي تلك القيم المجتمعية من جهة الدولة وتحمي الدين بتيسير العبادات كمطلب أساسي لأغلبية الناس، وهو ما يتوافق مع جوهر تلك القيم العقلانية إلى أقصى حدود الاجتهاد.

السيد الرئيس،

إن الكلام عن العلمانية (Secularism) قد لا يحسنه كل “زعيم”، لأنه مفهوم معقد في الفلسفة السياسية، لم ينته فيه الجدال حتى في بيئته، فهناك لائكية فرنسا (Laïcité) التي جاءت في سياق تاريخ العلاقة المتوترة بين الكنيسة والمجتمع الذي تخففت عنه الثورة الفرنسية، وهي حالة خاصة، وهناك العلمانية التي تأخذ فيها الدولة حاجات الناس الدينية بعين الاعتبار، وهي موجودة في دول غربية أخرى، وأذكر أنني سألت في عام 2008 (انطلاقاً من نفس الاهتمام)، سألت السيد سفير ألمانيا في المغرب عن الرسم الذي تجمعه الدولة رسمياً من الناس للإنفاق على الدين، ففاجأني بأن مبلغه، بالنسبة لعام 2006، هو ثمانية مليارات ونصف مليار أورو.

السيد الرئيس،

ما زلت تذكر، ولا شك، أنني عشت معك أزمة رحيل الأستاذ عبد الله باها. وتذكر أنني قلت لك إن الأحوط في السياسة في بيئهن العامل فيها على النزاهة والنظافة للناس ويقنعهم بإنجازاته بدل أن يلجأ إلى تعريض الدين لضعف الإنسان بتحويله إلى شعارات لمجرد الغواية أو ما نسميه بالاستقطاب. والحالة أن الدين هو الأخلاق بكل تجلياتها ومستوياتها، ابتداءً من النوايا الصادقة، وهذا فهم فطري عند الناس. لذلك تجد بعض أهل ديننا يعجبون بأخلاق بعض أهل بلاد العلمانية. وقد كان جوابك، رداً على “النصيحة”: يظهر لي أن هذا هو ما ينبغي.

السيد الرئيس،

إن السياق المغربي بخلفياته التاريخية ومؤهلاته الحاضرة مبشر بإمكان بناء نموذج يحل عدداً من المشاكل الفكرية للأمة وهي متعثرة في أوحال التخبط في العلاقة بين الدين والسياسة، ولكن الأمر يتوقف على توحيد الله بدل إطلاق العنان للأنانية وهي الشرك الخفي. والحالة أن الله الذي أجرى ويجري أحوال الناس قد أرشدنا إلى فتح البصائر على هذا المشترك الإنساني في سنن الصلاح والفساد.

السيد الرئيس،

نفثت بهذه الشكوى لا لأقنعك، وأنت تعرف أنني لا أريد على المتقولين، بل القصد أن يسمعها “السميع”، وتكون أنت من الشاهدين. وعسى أن يسمعها بعض من سمعوا تشهيرك فيفهموا.

الرباط في فاتح جمادى الثانية 1446
الموافق لثالث دجنبر 2024.
أحمد التوفيق

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق