كشف آخر تقرير سنوي للمجلس الأعلى للحسابات عن مجموعة من “النقائص والاختلالات” التي شابت البرامج الحكومية المتعلقة بتعميم وتطوير التعليم الأولي في المغرب، مسجلا أن هذه النقائص استمرت في المرحلة الموالية التي تندرج ضمن مخطط التنمية متوسط المدى 2013-2016 والبرنامج الحكومي 2021-2017، حيث لم يتم وضع آليات ملائمة لقيادة وتتبع هذه البرامج، ما يعكس ضعف التنسيق والإشراف على تنفيذ هذه المشاريع الكبرى.
وفيما يخص البرنامج الاستعجالي 2009-2012، لاحظ التقرير أن هذا البرنامج شهد مجموعة من العوائق التنظيمية والإدارية، من أبرزها تداخل الصلاحيات بين المسؤولين الإداريين ومسؤولي المشاريع، بالإضافة إلى تمركز القرارات بشكل شبه كامل في المصالح المركزية، مما أدى إلى غياب التنسيق الفعال بين مختلف المديريات.
وفي سياق الحديث عن التعليم الأولي، أشار التقرير، إلى أن البرنامج الوطني لتعميم وتطوير التعليم الأولي، الذي أُعد في 2018-2027، قد حقق بعض النتائج المشجعة في تعميم التعليم الأولي مقارنة بالأهداف المسطرة في هذا المجال، قبل أن يستدرك “لكن، ومع ذلك، كان البرنامج يركز بشكل حصري على تطوير العرض التربوي العمومي من خلال بناء الحجرات الدراسية، دون أن يأخذ بعين الاعتبار الأهداف الأخرى التي نصت عليها الرؤية الاستراتيجية للتعليم”.
وأوضح تقرير المجلس، أن هذا التركيز على التعليم الأولي العمومي، “جاء نتيجة رغبة الوزارة في توفير تعليم عمومي مجاني ذي جودة، مما يعكس الاهتمام بدمج الأطفال في الأحياء الهشة والمناطق القروية، ولكنه لم يتطرق بشكل كافٍ لمشاكل التعليم غير المهيكل، وهو ما يشكل تحديا كبيرا في تطبيق البرنامج بنجاح”.
ومن أبرز النقائص التي أشار إليها المجلس الاعلى للحسابات، “غياب وثيقة رسمية مرجعية للبرنامج الوطني، وهو ما يعكس نقص التخطيط الإستراتيجي الشامل”. ولفت إلى أن وزارة التربية الوطنية تعتمد على وثائق داخلية ذات طابع إجمالي، مما يحد من وضوح الرؤية والآليات اللازمة لتحقيق الأهداف الموضوعة، مضيفا أنه “رغم تشكيل لجان موضوعاتية لإعداد البرنامج، إلا أن هناك افتقارا للإطار المؤسسي المخصص للتعليم الأولي، الذي كان قد أوصت به الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، ما يعكس ضعف التنسيق المؤسسي والافتقار إلى متابعة فعّالة بين الجهات المتدخلة في هذا القطاع الحيوي”.
علاوة على ذلك، أشار التقرير إلى أن هناك مشكلة كبيرة تتعلق بالقطاع غير المهيكل في مجال التعليم الأولي، حيث لم يُعطَ هذا القطاع أي اعتبار في إعداد البرنامج الوطني. فبينما ركز البرنامج على التعليم الأولي العمومي، لم يتم تحديد الأهداف التي يمكن أن يتحقق من خلالها تدخل الفاعلين في القطاع غير المهيكل، مثل دور الحضانة الخاصة، مما يعكس غياب استراتيجية شاملة تدمج مختلف الأنماط التعليمية المتاحة، مسجلا أن الوزارة “لم تقم بتشخيص مفصل للوضعية القانونية والتشغيلية لهذه المؤسسات، مما يعيق إمكانية تحقيق تكامل بين القطاعين العمومي وغير المهيكل في تطوير التعليم الأولي”.
في ضوء التحليل الذي قدمه المجلس الأعلى للحسابات، أوصى وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بضرورة تحسين عملية التخطيط الاستراتيجي فيما يخص التعليم الأولي.مشددا على ضرورة أن تكون الاستراتيجيات المعتمدة موائمة للرؤية الوطنية المتعلقة بالتعليم، مثل الميثاق الوطني للتربية والتكوين ورؤية 2015-2030، مع تحديثها إذا اقتضت الضرورة.
كما سجل المجلس، أهمية تحيين تشخيص وضعية التعليم الأولي باستخدام معطيات دقيقة وموثوقة، والعمل على تنزيل الاستراتيجيات على شكل برامج وخطط عمل متعددة السنوات، تضم أهدافا واضحة وإجراءات قابلة للتحقيق، مرفوقة بمؤشرات دقيقة وقابلة للقياس.
وأوصى المجلس الأعلى للحسابات، بتحسين البرنامج الوطني لتعميم وتطوير التعليم الأولي من خلال التركيز على إعادة تأهيل التعليم الأولي غير المهيكل وتطوير التعليم الأولي الخاص، مؤكدا ضرورة أن تتم ترجمة أهداف هذا البرنامج إلى إجراءات عملية وقابلة للقياس تتناسب مع خصوصية كل مجال ترابي، مع ضرورة وضع حلول بديلة تهدف إلى ترشيد استخدام حجرات التعليم الأولى التي تم إنشاؤها، وذلك لضمان الاستفادة الكاملة من البنية التحتية المتاحة.
وفي إطار تحسين تدبير التعليم الأولي العمومي، أكد المجلس على ضرورة اتخاذ تدابير لضمان الاستدامة البيداغوجية والإدارية والمالية لهذا النوع من التعليم. واعتبر أن “هذا يتطلب العمل على ملاءمة اتفاقيات الإسناد المباشر للأقسام مع المقتضيات التنظيمية المعمول بها”، كما أوصى بتكثيف الجهود نحو إدماج التعليم الأولي في السلك الابتدائي بهدف تحسين جودة التكوين وتحقيق تكامل بين المراحل التعليمية.
وفي سياق تعزيز الحكامة، دعا المجلس إلى تفعيل الهيئات القائمة داخل وزارة التربية الوطنية وإنشاء الهياكل التنظيمية والإدارية اللازمة على مستوى الوزارة والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية التابعة لها. ويمثل ذلك خطوة أساسية لضمان فعالية إشراف الوزارة على القطاع، لا سيما في ما يتعلق بالمراقبة البيداغوجية والإدارية.
وأكد المجلس الأعلى للحسابات، أهمية التركيز على تكوين المربيات والمربيين بشكل مستمر، لضمان تقديم تعليم أولي ذو جودة، على أن يشمل هذا التكوين برامج تأهيلية مستدامة تواكب التطورات البيداغوجية الحديثة وتوافر التقنيات التعليمية الحديثة، لضمان تحسين جودة التعليم وتطوير مهارات المعلمين في هذا المجال.
0 تعليق