استبشر العديد من المهتمين بالتراث الثقافي بالمصادقة الأخيرة للمجلس الحكومي على مشروع قانون 33.22 الذي جاء في سبعة أجزاء و129 مادة. غير أن الاطلاع على النص المقترح كشف عن غياب صادم لذكر ”مواقع النقوش الصخرية والرسوم الصباغية الصخرية”، التي يفوق عددها 800 موقع على الصعيد الوطني، نهائيا واكتفى التعريف فقط بالتراث غير المنقول والتطرق للمواقع الأثرية والمعالم أيا كان طرازها وكذا المناظر.
هذا التجاهل لم يقتصر على النصوص التعريفية فحسب، بل امتد ليشمل عدم الإشارة إلى “الفهرس الوطني لجرد النقوش الصخرية”، الذي تم التنصيص عليه صراحة في قانون 80-22 إلى جانب السجل الوطني للجرد. وهنا نطرح تساؤلا مشروعا: هل يمثل هذا الغياب تراجعاً عن المكتسبات القانونية السابقة التي شكلت أساساً لحماية هذا النوع الفريد من التراث؟ أم هو محاولة متعمدة لتغييب هذا التراث الغني الذي يؤرخ لفترات زمنية مهمة من تاريخ المغرب، في حين أُدْرِجت في مشروع القانون 33.22 تعريفات جديدة لأشكال أخرى من التراث لم تكن مذكورة في النصوص السابقة؟
نحن، كفعاليات مدنية ناشطة في مجال الحفاظ على التراث الثقافي وحماية مواقع الفنون الصخرية، التي تعد تراثا إنسانيا وعالميا، نرى في هذا التوجه تراجعاً خطيراً عن الالتزام بحماية أحد أهم أشكال التراث الثقافي في بلادنا، حيث أن الفنون الصخرية ليست مجرد رسومات وعلامات على الحجارة؛ بل إنها ذاكرة موغلة في القدم، تحمل شواهد وحقائق فريدة عن حياة الأجداد وأفكارهم وأشكال تعبيرهم عن الذات والطبيعة، وتبين عراقة ثقافة وتراث المغرب.
إن تغييب التراث الصخري من النصوص القانونية الجديدة يُعتبر انتقاصاً من أهميته، وهو ما يفتح المجال أمام المزيد من الإهمال والتخريب، الذي تعرضت له عدة مواقع للفنون الصخرية والمقابر الجنائزية لثقافات ما قبل الإسلام (موقع ﯕليب الزعافيك، موقع الشاف ولد عطية، موقع حجرة علية، موقع واخير، موقع عصلي الريش، موقع حوزة، موقع واد اشبيكة، موقع واد لكَدرور، موقع أمان أوغريب، موقع تسميمت، موقع انقاب لمريبطي، موقع أسيف ن إينت، موقع إيش…)، بسبب عدم التنصيص الصريح في مشروع القانون 33.22 على إلزام المقاولات الفائزة بصفقات المشاريع أو المستغلة للمقالع بتقديم دراسة الأثر étude d’impact حول التأثيرات المحتملة على المواقع الأثرية.
كما تسجل الفعاليات الموقعة باستغراب تقصير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في الاهتمام بالتراث الصخري ومواقعه، فمنذ تأسيسه سنة 1995، نلاحظ غيابا تاما للبرامج البحثية وللأبحاث حول التراث الصخري من قبل المعهد في الصحراء المغربية والشرق والجنوب الشرقي، والأطلس الصغير، واقتصار برامجه الأثرية على مناطق محددة قريبة من المركز. ولعل الخطير في الأمر أن هذا التقصير غير المبرر من القطاع الوصي ومن هذه المؤسسة ترك المجال فارغا أمام الكم الهائل من الأبحاث العلمية المُضَلِلة التي وظفها أعداء الوحدة الترابية للمس بمقومات تراثنا الوطني، ولولا مبادرات فردية حمل مشعلها قلة من الأساتذة الباحثين بالجامعة المغربية بتمويل ذاتي، إلى جانب بعض جمعيات المجتمع المدني الغيورة بتمويل من الجماعات الترابية (المجلس الإقليمي لأوسرد الإقليمي والمجلس الإقليمي للسمارة) لظلت الخريطة الأثرية بهذه الربوع تملأها الفراغات والبياضات.
بناء على ما سبق، تطالب الفعاليات والهيئات الموقعة على هذا البيان وزارة الشباب والثقافة والتواصل:
• بإدراج مواقع الفنون الصخرية، خاصة تلك المرتبطة بالذاكرة الجماعية والعادات والأساطير، ضمن التعريفات القانونية بشكل صريح، وضمان حمايتها ضمن النصوص القانونية الجديدة، مع بقية العناصر الأثرية الموازية لها (المعالم الجنائزية لفترات ما قبل التاريخ وما قبيل التاريخ، الصناعات الحجرية، بقايا الخزف، شظايا بيض النعام المنقوش…).
• بالحفاظ على المكتسبات السابقة، بما في ذلك الفهرس الوطني لجرد مواقع الفنون الصخرية، وضرورة تحيينه عاجلا بعد مرور قرابة نصف قرن من صدور آخر فهرس عام 1977.
• بتعزيز الآليات الرقابية والقانونية لحماية مواقع الفنون الصخرية من التدمير أو الاستغلال غير المشروع، مع التنصيص الصريح في مشروع القانون على إلزام المقاولات التي تفوز بصفقات المشاريع أو المستغلة للمقالع تقديم دراسة الأثر étude d’impact archéologique حول التأثيرات المحتملة للأشغال على المواقع الأثرية والتاريخية بغض النظر إن كانت مقيدة أو مرتبة في عداد الآثار أم لا.
• بدعم البحث العلمي والميداني المخصص لدراسة وتوثيق مواقع الفنون الصخرية، لضمان استدامتها للأجيال القادمة.
• بتوفير الوسائل اللوجستية والوسائل البشرية للمصالح الخارجية المختصة بجرد ودراسة وحماية مواقع الفنون الصخرية علما وأنه ولا قسم ولا مصلحة منها تتوفر على سيارة مصلحة، زد على ذلك الخصاص المهول على مستوى الأطر.
ختامًا، تؤكد الفعاليات الموقعة التزامها بالدفاع عن تراثنا الوطني ضد كل أشكال الإهمال والتهميش، وتدعو وزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع الثقافة-من خلال مديرية التراث الثقافي إلى تحمل مسؤولياتها تجاه هذا الإرث الذي يعبر عن هويتنا الحضارية وماضينا المشترك.
0 تعليق