احتضنت مدينة أكادير مؤخرًا النسخة الجديدة من المنتدى الاقتصادي الإقليمي المنظم من قبل جريدة “الإيكونوميست”، بمشاركة واسعة لعدد من الشخصيات البارزة، من بينها والي جهة سوس ماسة، رئيس مجلس الجهة، القنصل العام لإسبانيا، ورؤساء الغرف المهنية وممثلو المؤسسات العمومية والخاصة.
وقد تمحورت هذه النسخة حول تعزيز الاستثمار والجاذبية الاقتصادية في الجهة، في إطار رؤية شاملة تنسجم مع التوجهات الاستراتيجية للمملكة المغربية، خاصة في ظل الرؤية الملكية الرامية إلى تطوير الجهوية المتقدمة وتعزيز التنمية المستدامة.
أهمية المياه في التنمية: رهان ملكي ومعركة مستمرة
استهل والي جهة سوس ماسة كلمته بالاستشهاد بمقتطف من خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش 2024، والذي سلط الضوء على أهمية الموارد المائية في تحقيق التنمية المستدامة.
وأكد الوالي على أن المنطقة، في ظل التحديات المتعلقة بندرة المياه الناتجة عن التغيرات المناخية، تبنت استراتيجيات مبتكرة، منها إنشاء محطات لتحلية المياه، مثل محطة “اشتوكه” التي تغطي 80% من احتياجات أكادير الكبرى من المياه الصالحة للشرب. وأضاف أنه بحلول عام 2027، سيتم تشغيل أكبر محطة لتحلية المياه في المملكة بطاقة إنتاجية تصل إلى 350 مليون متر مكعب سنويًا، منها 100 مليون متر مكعب مخصصة للمياه الشرب و250 مليون متر مكعب لدعم القطاع الزراعي، مما سيمكن من توسيع المساحات الزراعية وتعزيز الأمن الغذائي في المنطقة.
القطاعات المحورية: الفلاحة، الصناعة، اللوجستيك، السياحة
1. الفلاحة: تعزيز الأمن الغذائي وتطوير الزراعات الموجهة للتصدير
تعتبر الفلاحة أحد الأعمدة الاقتصادية للجهة، حيث تُعرف سوس ماسة بأنها المورد الأول للطماطم والحوامض المصدرة نحو أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء. وأوضح والي الجهة أن مشروع محطة تحلية المياه سيدعم التوسع الزراعي بإضافة 10,000 هكتار جديدة مخصصة للزراعة. ويأتي ذلك في إطار خطة تهدف إلى ضمان الأمن الغذائي الوطني وتعزيز القدرة التصديرية، ما يرسخ مكانة سوس ماسة كمركز زراعي استراتيجي.
2. الصناعة: نحو تنويع القاعدة الصناعية وتشجيع الصناعات الجديدة
سلط والي سوس ماسة الضوء على النهضة الصناعية التي تشهدها المنطقة بفضل إطلاق عدد من المشاريع الكبرى في مختلف القطاعات. ومن أبرز هذه المشاريع إنشاء “المناطق الصناعية المتخصصة” في أكادير، تيزنيت، وتارودانت، التي تهدف إلى تحقيق العدالة المجالية بين مختلف أقاليم الجهة. ولفت الانتباه إلى “المنطقة الحرة” التي تمتد على مساحة 500 هكتار والتي ستستقطب الاستثمارات الصناعية، خصوصًا في قطاع الصناعات الكيميائية والبتروكيميائية. كما أبرز الوالي التطور الذي يشهده قطاع “الأوفشورينغ” مع إطلاق مشاريع جديدة في أكادير بالتعاون مع صندوق الإيداع والتدبير (CDG)، مشيرًا إلى أهمية خلق فرص الشغل وتعزيز تنافسية الجهة في هذا المجال.
3. اللوجستيك: ركيزة لتعزيز التجارة الإقليمية والدولية
أعلن والي الجهة عن عدد من المشاريع الكبرى لتعزيز البنية التحتية اللوجستية، بما في ذلك مشروع “الميناء الجاف” الذي سيُقام في المنطقة الحرة. ويهدف المشروع إلى دعم قدرات التصدير وتقليل التكاليف اللوجستية للشركات العاملة في المنطقة. كما تم الإعلان عن إطلاق خطين بحريين جديدين: الأول يربط أكادير بدكار، والثاني يربط أكادير ببورتسموث في المملكة المتحدة. هذه المبادرات تأتي لتسهيل حركة البضائع نحو إفريقيا وأوروبا وتعزيز التجارة الخارجية.
4. السياحة: الانتقال من السياحة الشاطئية إلى السياحة المتكاملة
أكد والي سوس ماسة على أهمية السياحة كدعامة أساسية للاقتصاد الجهوي، مشيرًا إلى أن أكادير سجلت أكبر معدل نمو في عدد الزوار ليصل إلى 2.2 مليون زائر، مع 5.6 مليون ليلة مبيت، ومعدل إشغال فندقي يفوق 70%. وأكد الوالي على ضرورة تنويع العرض السياحي ليشمل السياحة الثقافية، السياحة البيئية، والسياحة القروية، من خلال الاستفادة من الإمكانات التراثية والثقافية للمنطقة. ويهدف هذا التوجه إلى رفع مدة الإقامة السياحية من 4 إلى 5 ليالٍ أو أكثر، بما يحقق عوائد اقتصادية إضافية.
الدور المحوري لميناء أكادير: بوابة للانفتاح على إفريقيا وأوروبا
أحد المحاور الأساسية التي تم تناولها في المنتدى هو ميناء أكادير، الذي يحتل مكانة هامة بفضل تنوع أنشطته (الصيد، التجارة، السياحة البحرية، الدفاع). ويُعد الميناء نقطة ارتكاز استراتيجية في الرؤية الملكية لجعل أكادير مركزًا اقتصاديًا يربط الشمال بالجنوب، ما ينسجم مع رؤية المغرب لتعزيز مكانته كمحور بين أوروبا وإفريقيا.
الابتكار والتكنولوجيا: التوجه نحو اقتصاد المستقبل
أبرزت المناقشات خلال المنتدى الحاجة إلى التحول نحو الاقتصاد الأزرق والاقتصاد الأخضر. وقد تم تسليط الضوء على مشروع إنتاج “الهيدروجين الأخضر” بإقليم طاطا، حيث سيتم الجمع بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتصنيع الهيدروجين، ما يشكل فرصة واعدة لجذب الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقات المتجددة.
التعاون الدولي: رافعة لتطوير الجهة
في إطار تعزيز التعاون الدولي، أُعلن خلال المنتدى عن شراكات جديدة مع مستثمرين دوليين، خصوصًا من المملكة المتحدة والسنغال. ويسعى مسؤولو الجهة إلى تعزيز الشراكات مع المانحين الدوليين مثل البنك الدولي، لدعم التحول الاقتصادي في سوس ماسة وتحقيق الأهداف التنموية المستدامة.
رؤية الملك محمد السادس: مركزية سوس ماسة في الخارطة الوطنية
شدد والي سوس ماسة ورئيس الجهة على الدور المحوري للخطاب الملكي في تحديد مسار التنمية الإقليمية. فمن خلال التوجيهات الملكية، تحولت سوس ماسة إلى مركز اقتصادي هام في المملكة، يلعب دورًا محوريًا في الربط بين شمال المملكة وجنوبها، وفي تعزيز حضور المغرب على الساحة الإفريقية والدولية.
خاتمة: نحو مستقبل مشرق لجهة سوس ماسة
يُعد المنتدى الاقتصادي الإقليمي محطة أساسية لتأكيد الالتزام الجماعي للنهوض بالجهة وفق رؤية استراتيجية مستدامة وشاملة. ومع المشاريع الطموحة التي أُعلن عنها، يبدو المستقبل واعدًا لسوس ماسة، التي تتجه بخطى ثابتة نحو التحول إلى قطب اقتصادي وجسر تجاري يربط بين إفريقيا وأوروبا. ومن شأن تنفيذ هذه المشاريع أن يُعزز من مكانة الجهة كقاطرة اقتصادية وطنية ودولية، تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتثبيت مكانة المغرب كمركز اقتصادي محوري في المنطقة.
0 تعليق