لقد ارتبط النظام السوري المُطاح به، بعلاقة وثيقة مع حليفه النظام العسكري الجزائري الذي ظل يساند الدكتاتور بشار الأسد في جرائمه إلى آخر رمق. وللتأكد من ذلك، يمكن الرجوع إلى تصريحات رؤساء الجزائر والبلاغات الكثيرة التي أصدرتها وزارة الخارجية الجزائرية، والتي تعبر عن دعمها المطلق وغير المشروط للنظام السوري في حربه القذرة ضدّ شعبه الأعزل. وآخر هذه المواقف صدر في الثالث من ديسمبر 2024، خلال مكالمة هاتفية بين وزيري خارجية البلدين، أسبوعاً واحداً قبل سقوط طاغية دمشق وفراره نحو روسيا. وقد عبّر وزير خارجية الجزائر في تلك المكالمة عن مساندة بلاده لنظام البعث السوري المُطاح به.
وإنْ نسينا فلا ننسى الزيارات المتكررة التي قام بها وزراء خارجية الجزائر خلال العشر سنوات الأخيرة لدعم النظام السوري، ولعل أخطرها كان في أبريل سنة 2016 حين قام وزير الخارجية رمطان العمامرة والوزير المنتدب في الخارجية عبد القادر مساهل، على التوالي، بزيارة كلّ من طهران ودمشق في محاولة لتشكيل محور مضاد للقمة المغربية الخليجية التي انعقدت بالرياض في نفس الشهر ونفس السنة لدعم المغرب في وحدته الترابية وتأكيد سيادته على الصحراء. وجاءت تحركات الوزيرين الجزائريين لتؤكد الطبيعة التآمرية للنظام ضد الأمن القومي للمغرب ودول الخليج من خلال محور الشرّ ثُلاثيّ الأضلع طهران-الجزائر-دمشق.
وقد شكلت زيارة الوزير مساهل آنذاك، خروجاً عن الإجماع العربي الذي فرض العزلة على النظام السوري وجمّد عضويته في الجامعة العربية بسبب جرائم القتل والتنكيل بالمدنيين. وقد كانت تلك الزيارة هي الأولى من نوعها لوزير من بلد عربي إلى دمشق منذ اندلاع الثورة السورية سنة 2011. ولذلك فقد لاقت ترحيباً من حاكم دمشق الذي استقبله وصرّح للصحافة عن “تقديره للموقف المبدئي الذي تقفه الجزائر مع سورية”.
ولن نجد شهادة أكبر من تصريح سفاح الشام، دليلاً على تورط النظام الجزائري في قمع الشعب السوري، مما يعزز ما تتداوله الأخبار حول مشاركة ميليشيات “البوليزاريو” بتأطير من ضباط جزائريين في المجازر المرتكبة في حق السوريين، وهناك حديث عن وقوع ما بين 500 إلى 800 عنصر من هؤلاء في قبضة الثوار السوريين بعد سقوط النظام، في انتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة من أسرار تلك العلاقة المشبوهة.
لأجل ذلك، ينبغي لوزارة الخارجية المغربية أن تسارع إلى تجميع المعطيات والبيانات، وإلى شنّ حملة دبلوماسية واسعة النطاق تجاه الدول الصديقة والشقيقة من أجل ربط مصير النظام الجزائري بمصير حليفيْه السوري البائد، ونظيره الإيراني المتورط هو الآخر في جرائم إبادة ضد السوريين بواسطة ميليشياته الطائفية، من “حزب الله” اللبناني إلى “الزّيْنَبِيّين” و”الفاطميّين” و”عصائب الحق”، وغيرها من ألوية الموت التي يؤطرها جنرالات فيلق القدس الإيراني.
ويبدو أن الفيلق الإيراني تاه عن الطريق وضيّع البوصلة نحو القدس ليتفنٌن في قتل المواطنين من المذهب السّني في الشام والعراق وحتى عربستان في إيران التي تحوٌل اسمها إلى خوزستان في محاولة لطمس هوية منطقة الأحواز. ونلاحظ التوافق في الهدف بين طهران والجزائر من حيث دعمهما لنظام بشار الأسد المستبدّ، كما نلاحظ التطابق في الأسلوب الدموي باستخدام الميليشيات تحت قيادة ضباط كل بلد على حدة، مما يوحي على أنها خطة دُبّرت في نفس الغرفة المظلمة لقيادة أركانهما.
وعوداً على بدأ، على المغرب ألاّ يُضيع هذه الفرصة التاريخية، التي قلّما يجود الزمان بمثلها، من أجل توجيه الضربة القاضية للنظام العسكري الجزائري، ومحاصرته دولياً وعربياً، والعمل على ألا يُفلت قادته من المحاكمات المحتملة لرموز النظام السوري الدمويين، في أفق تهيئة الظروف لتفكيك النظام الجزائري والإطاحة به وتحرير الشعب الجزائري من نيره وتخليص المنطقة المغاربية كلّها من مؤامراته.
0 تعليق