مقال : همدان العليي – حراك الأقيال الفكري.. حارس الحقيقة
شكرا لمتابعتكم خبر عن مقال : همدان العليي – حراك الأقيال الفكري.. حارس الحقيقة
قبل أيام أثار الكاتب حسين الوادعي @AlwadayHussein
موضوع الأقيال بادعائه أنهم صمتوا أو غابوا في أشد لحظات الخطر الحوثي على اليمن، حد وصفه. ثم ذهب للتحليل والتفسير معتمدًا على خياله الواسع وموقفه الرافض للأقيال منذ البداية، ووصل به الشطط إلى القول إن هذا الحراك عبارة عن “فكرة شوفينية”.
دعوني أقتبس شيئًا مما قاله الوادعي: “البعض تماهى مع خطاب الميليشيا ونسي جوهر فكرته (أولوية القضية اليمنية). والبعض فضل السكوت، والسكوت علامة الرضا بما تفعله الميليشيا لكنه يفضل الصمت تحت دافع الخجل”.
كنت أتمنى منك أن تضع أسماء لأقيال تماهوا مع خطاب الحوثيين. عليك أن تذكر لنا أسماء خمسة أقيال على الأقل. لن تفعل. فطرحك لا يعدو عن كونه مجرد كلام عام نابع من خيال واسع لا يتسق مع واقع الحال.
قلت بأن البعض الآخر من الأقيال راضون بما تفعله عصابة الحوثي لكنهم يفضلون الصمت خجلا. وكأنك مطلع على ما في القلوب، وعليم بما في الصدور..!
عبارة “السكوت علامة الرضا” يا حسين لا تستخدم إلا في الزواج.. عندما يؤخذ برأي المرأة حول ارتباطها برجل. وهذه العبارة لا تنفع في السياسة. لأن السكوت في السياسة قد يكون بسبب العجز أو لأن الموضوع ليس أولوية أو ربما بسبب الاكتفاء وعدم الحاجة لتسجيل موقف أو حتى عدم وضوح الرؤية.. هناك أسباب كثيرة تؤدي إلى “السكوت السياسي”.
هذا الرأي يبدو لي متهورًا وناتجًا عن انطباع مسبق ورفض مطلق لحراك الأقيال وهذا ما ظهرت عليه من البداية.
مشكلتك “يا حسين” أنك منذ اليوم الأول لظهور حراك الأقيال الفكري ولديك قناعات وانطباعات خاطئة تريد فرضها على كل من حولك.
القناعة الخاطئة رقم1: أن حراك الأقيال عنصري كما عنصرية الحوثيين. بالرغم أن الأقيال أوضحوا لك –مرارا- بأن حراكهم يؤمن بالتنوع ولا ينادي بأفضلية القحطانية أو السكان الأصليين على بقية اليمنيين ولا يدعي حقًا سماويًا كما تفعل السلالة في اليمن، وأنهم –أي الأقيال- يطالبون بالمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية واحترام المعتقدات، إلا أنك تصر على قناعتك وتريد فرضها على الجميع.
لا يمكن اعتبار من يعتز بتاريخ بلاده ويرفض طمس هويته لصالح مشروع عرقطائفي على أنه ” شوفيني”. كل دول الغرب تعتز بتاريخها ولا تدخر جهدًا للحفاظ عليه، ولو تعرض أي مجتمع غربي لما تعرض له الشعب اليمني من عنصرية عرقطائفية، لكانت له ردة فعل قاسية جدًا دفاعًا عن هويته وحقوقه وتاريخه.
القناعة الخاطئة رقم 2: تصر أن تقنع نفسك ومن حولك بأن حراك الأقيال الفكري حركة أو تنظيم، له قيادة وأهداف واستراتيجية، في حين أن أبرز الفاعلين في الأقيال قالوا لك مرارًا وفي أكثر من مناسبة بأن حراكهم فكري، وليسوا حركة أو تنظيمًا سياسيًا لديه أهداف وطموح في الحكم، وهو حراك تنويري لا قيادة له.
لا بأس.. سأجيب على سؤالك: لماذا تراجع نشاط حراك الأقيال الفكري؟
بداية.. ظهر حراك الأقيال مبكرا، لكنه تصاعد وتزايدت أنشطته أثناء مرحلة الجمود التي حدثت عقب توقيع اتفاقية ستوكهولم. بعد جريمة ستوكهولم وصل الناس إلى مرحلة مقلقة من الإحباط واليأس من الحكومة اليمنية وبقية المكونات الجمهورية، وجاء هذا الحراك بمثابة رسالة مجتمعية بأن المعركة معركة اليمنيين، ولن يتركوها لمجرد أن محامي القضية العادلة (الحكومة الشرعية) قد عجز عن استرداد البلاد وإنهاء الإمامة أو بسبب الضغوط الدولية.
حراك الأقيال الفكري لم يكذب على أحد. لم يقل لكم بأنه حراك يطمح للحكم أو لديه برنامج سياسي، أو يريد تمثيلًا في السلطة أو المشاورات. من أيدوا هذا الحراك لم يلتزموا لكم بالتعليق على كل شاردة وواردة في اليمن والإقليم والعالم. كان الأقيال يؤكدون على أن حراكهم فكريًا فقط، هدفه إعادة تعريف المشكلة اليمنية بشكل صحيح بعدما تم إيهام العالم بأن المشكلة مجرد “شرعية وانقلاب” أو “سنة وشيعة” متجاهلين البعد الحقوقي والإنساني، والتأكيد بأن المعركة بين “العنصرية العرقطائفية وبين المواطنة المتساوية” وباعتقادي بأن حراك الأقيال قد حقق الهدف العام من وجوده، فبعدما كان كثير من اليمنيين يرفضون الإشارة إلى دوافع الحوثيين العنصرية التي تجعلهم يشعلون الحروب، ويعتدون على اليمنيين، ويصرون على الحديث عن الدوافع السياسية والاقتصادية وأحيانا الطائفية فقط؛ أصبح اليوم غالبية النخبة السياسية والثقافية يؤمنون بأن عنصرية الحوثيين وتعصبهم العرقي العابر للمناطق والأحزاب والمذاهب وحتى الدول هو سبب حربهم على الدولة في اليمن تمامًا كما حدث في حروب اليمنيين القديمة مع المشروع الإمامي ذاته.
قبل سنوات كنت أنت وكثير من النخب الفكرية والثقافية والسياسية وحتى الدينية ترفضون أو تخجلون من الخوض في سلالية الحوثيين وتعصبهم العرقي، وقد خضت بعض النقاشات معك حول هذه الجزئية. لكنك اليوم مختلف، وتشير إلى هذه الزاوية الهامة بقوة وشجاعة تثير الإعجاب والاحترام. السؤال: كيف تغيرت كثير من النخب وبدأت تتحدث عن هذا البعد المسكوت عنه منذ فترات طويلة؟
الإجابة بكل بساطة: هم الأقيال.. والأقيال هنا مجموعة من الشباب الصادق والشجاع كثير منهم طلاب وعمال مغتربين وكتاب وصحفيين وجنود في الجبهات ودعاة وناشطين.
حقق حراك الأقيال مالم تنجزه مؤسسات الدولة منذ عقود طويلة.. فقد نجح في إعادة تعريف المشكلة اليمنية. شعب متنوع يرفض عنصرية عرق عنصري.
التقي اليوم بقيادات سياسية وقبلية ودينية وثقافية وصحفية ومن كافة المكونات والمناطق اليمنية، ونجد الغالبية العظمى يقولون إن الهاشمية العنصرية هي التي دمرت اليمن، ويجب مواجهتها وسن قوانين لتجريم العنصرية بكافة أشكالها وألوانها وليس عنصرية “الولاية” و”المودة” فقط وهذا هدف الأقيال منذ البداية.
تراجع خطاب الأقيال لأسباب عديدة ليس منها بالطبع ما أشرت إليه في كلامك.. لكن يمكن القول بأن الفاعلين في حراك الأقيال باتوا يرون بان فكرتهم قد انتشرت بين الناس.. ومن كانوا يخجلون من الإشارة إلى عنصرية المشروع الهاشمي في اليمن باتوا يقولونها بكل شجاعة. هذا هدف الأقيال الأول وقد تم تحقيقه، وما يزال الكثير يعمل ويجتهد اليوم من أجل سن مواد قانونية أو دستورية تجرم العنصرية في اليمن.. وهذا هدف وطني وإنساني نبيل.
نشر الوعي بين الناس كان هدف الأقيال الأهم، وقد حققوا ذلك ولم يعد لديهم ما يقدموه إلا الدفاع عن محاولات التزييف والتحريف والتلميع للإمامة والضغط من أجل تشريع قوانين أو مواد دستورية تحمي حقوق اليمنيين وتضمن التعايش واحترام المعتقدات.
دائما كنت أقول للرفاق بأنه سيأتي اليوم الذي ينتهي فيه مسمى حراك الأقيال الفكري بعد تحقيق هدفه التنويري، وسيبدأ طور جديد كنتيجة طبيعية لانتشار المعتقد الوطني الرافض لعنصرية السلالة. سيظهر تحرك آخر قد لا يحمل مسمى الأقيال لكنه يحمل ذات العقيدة الوطنية وربما يظهر على يد أشخاص جدد ليسوا ممن نشط في حراك الأقيال الفكري خلال السنوات الماضية.. طاقات ووجوه وسواعد وأسماء جديدة.
حراك الأقيال كسر حاجز التردد والخوف، وأضاء الطريق أمام اليمنيين، وهو اليوم بمثابة حارس للحقيقة ومهمته مقاومة التزييف.. لكن الحقيقة التي لا يستطيع أحد انكارها أن ما كان يردده قلة من الشباب الأحرار في مواقع التواصل الاجتماعي أو اللقاءات العامة والمغلقة حول السلالة وكانوا يتعرضون بسبب ذلك للتحريض والقدح والسب بسبب قناعاتهم الشجاعة؛ بات اليوم قناعة غالبية اليمنيين.
تعليقات