بين هدف سياسي في الملعب واحتلال مجمع بالصدفة
إنها لحظة تقاطع بين الخوف والشجاعة، وبين الرغبة في التراجع ونداء الإقدام.. إنها ليست مجرد لحظة اصطدام أو نزاع، بل هي امتحان للقدرة على التواصل والتأثير، ورحلة للبحث عن حلول وسط تعزز التفاهم وتكسر حواجز الصمت.. المواجهة! إن القدرة على المواجهة ترتبط بمدى نضوج الشخصية ووعيها بقيمة الحوار والاحترام المتبادل، فالمواجهة ليست عنفًا ولا تحديًا للمبادئ، بل هي سعي لتحقيق التوازن بين العدل والمساومة، وبين الحفاظ على الحق وإبداء المرونة.. فكن مواجهًا دائمًا ولا تخف.
في زمن أصبح فيه “التنفس بحذر” شعارًا للحفاظ على الاستقرار، تظهر بين الحين والآخر شخصيات تكسر حاجز الصمت واليوم موعدنا مع محمد أبوتريكة نجم الأهلي ومنتخب مصر السابق، اللاعب الذي دخل قلوب الناس ليس فقط بمهاراته الكروية بل أيضًا بمواقفه الشجاعة تجاه القضية الفلسطينية، موقف ظل يكرره رغم الانتقادات، وكأنه في ملعب لا تسكنه الأهداف فقط، بل تسكنه القضايا.
وهنا أتذكر فيلم الإرهاب والكباب، فيلم رائع يرسم صورة ساخرة لأحلام المواطن البسيط في المجابهة للبيروقراطية، فكما واجه “أحمد” بطل الفيلم (الذي جسده عادل إمام) الوحش الإداري المتعنت في مجمع التحرير، ليجد نفسه وسط تمرد غير مقصود تحول فيه إلى رمز لمقاومة الظلم من نوع آخر، فإن أبوتريكة، بلمسة على قميصه عام 2008 كتب عليها “تعاطفًا مع غزة” ثم مواقف متتالية أخرها إلقاء كلمة دعم للقضية في الاستديو التحليلي لقناة beinsports” رغم أن السياسة في الرياضة تحت الحظر، وقف أمام الجماهير الدولية للرياضة.
في الإرهاب والكباب، لم يكن “أحمد” ينوي أن يحتجز موظفي مجمع التحرير رهائن، بل كان يريد نقل أطفاله من مدرسة لأخرى فقط، لكن المجتمع المرهق من الضغوط، والمشحون بالغضب، تجسد فيه فجأة، فتحول لمتمرد عن قصد أو دون قصد، بينما محمد أبوتريكة، بظهوره مدافع عن القضية الفلسطينية، يجد نفسه فجأة رهينة في ملعب “الفيفا” -حينذاك- والجماهير الدولية التي ترى أن السياسة يجب أن تبتعد عن الرياضة، ناسين أو متناسين أن هناك قضية إنسانية تنبض في قلوبنا تتجاوز الحدود والخطوط الحمراء.
قد يقول البعض إن مقارنة أبوتريكة بـ “أحمد” مغالاة، ولكن بعيدًا عن أي ملاحظات يراها البعض على محمد أبو تريكة.. لنكن صادقين، “أحمد” كان يحتجز الناس بالصدفة، وأبوتريكة اختار أن يكون “رهينة” لمواقفه الشجاعة على الهواء مباشرة، مُقحمًا السياسة في الرياضة مُسلطًا الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني.. والحقيقة أن لكل منا دور في الدعم والمساندة، وكلنا نحاول بالمناسبة بدءًا من الزعماء العرب مرورًا بالشعوب وصولًا لي أثناء كتابة هذه السطور.
فاجئنا “أحمد” في المشهد الختامي للفيلم، برغبته الوحيدة: “كباب لكل الناس!”، يأتي المشهد ليصدمنا بأن البطل الذي ظنناه إرهابيًا كان فقط يحلم بالكرامة، بالحياة البسيطة، بشيء من العدالة! وربما رسالة أبوتريكة، بطريقة مشابهة، تلخصها كلماته عن القضية الفلسطينية بصوت كل المصريين والعرب: الحلم بحرية أمة، بقضية عادلة، بحل عاجل يستوعب صوت من لا صوت له، رغم كل القيود والممنوعات.
فمن أحمد في مجمع التحرير إلى أبوتريكة، تبقى الرسالة واحدة: أحيانًا، يكفي صوت واحد، ليوقظنا من سباتنا، ويجعلنا ندرك أن البطولة لا تأتي دائمًا بصيحات كبيرة.. أحيانًا تأتي بصوت هادئ، وقلب ينبض.
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
تعليقات