Tue, 21 Jan 2025 23:57:05 GMT
في خطاب تنصيبه، وعد دونالد ترامب، الذي عاد إلى الرئاسة الأمريكية في ظل موجة من عدم رضا الناخبين عن الوضع الراهن، ببداية “عصر ذهبي” جديد في البلاد.
كان خطاب الرئيس الأمريكي مزيجاً من الوعود والتناقضات، برزت فيه الفرص والتحديات التي تواجه ترامب خلال فترة ولايته الثانية.
بدأ ترامب كلمته بعد ظهر يوم الاثنين، وبدا في بعض الأحيان كما لو لم يتوقف عن الحديث حتى وقت متأخر من المساء، إذ أدلى بخطاب مرتجل لاحقاً في مبنى الكابيتول، وأمام حشد من أنصاره داخل صالة رياضية مغطاة في وسط المدينة وعند توقيع أوامر تنفيذية في البيت الأبيض.
أظهر ترامب، من خلال كل ذلك، نوعاً من الاستعراض الدرامي والميل إلى إثارة الجدل والمواجهة التي تُلهم مؤيديه وتثير غضب منتقديه.
خلال خطاب تنصيبه، أولى ترامب اهتماماً خاصاً بالهجرة والاقتصاد، تلك القضايا التي تشير استطلاعات الرأي إلى أن الناخبين الأمريكيين كانوا أكثر اهتماماً بها خلال العام الماضي. كما تعهد بإنهاء برامج التنوع التي روجت لها الحكومة، مشيرا إلى أن السياسة الأمريكية الرسمية لن تعترف إلا بجنسين، ذكر وأنثى.
وقد أثار هذا السطر الأخير استجابة حماسية في مبنى الكابيتول وهتافات جامحة من أنصاره الذين تجمعوا في صالة رياضية قريبة، وهذا دليل على أن القضايا الثقافية تظل واحدة من أقوى الأساليب التي يستخدمها ترامب للتواصل مع قاعدته الشعبية، لاسيما وأن هذه القضايا رسمت جيدا ملامح التناقضات الأكثر وضوحاً مع نهج الديمقراطيين خلال مسيرة انتخابات الرئاسة في العام الماضي.
بيد أن ترامب قبل أن يحدد ما قد يتطلبه هذا العصر الجديد، رسم صورة قاتمة للمناخ السياسي الأمريكي في الوقت الراهن.
خلف ترامب جلس سلفه جو بايدن وغيره من الديمقراطيين على جانب واحد بملامح جامدة، وقال ترامب إن الحكومة تواجه “أزمة ثقة”، وأدان “الاستغلال الشرس والعنيف وغير العادل” لوزارة العدل الأمريكية كأداة لتحقيق أهداف، لاسيما وأنها سبق وحققت معه وسعت إلى محاكمته بسبب طعنه في نتائج انتخابات 2020.
ادعى ترامب أنه يتمتع بتفويض لتغير مسار ما وصفه بـ “الخيانات البشعة”K وهاجم ما أطلق عليه “المؤسسة المتطرفة والفاسدة” التي قال إنها استحوذت على السلطة والثروة من المواطنين الأمريكيين.
ومثّل هذا النوع من الخطاب الشعبوي المناهض للنخبة عنصرا أساسيا في جميع خُطب ترامب على مدار عشر سنوات. وكان يجلس خلف ترامب على المنصة مجموعة من أغنى وأقوى قادة الشركات في العالم.
وفي يوم تنصيبه، تمتع ترامب بحس الانتباه والمبادرة، كما تعهد مساعدوه باتخاذ مئات الإجراءات التنفيذية بشأن مجموعة من القضايا، من بينها الهجرة والطاقة والتجارة والتعليم والقضايا الثقافية محل الجدل الساخن.
تطرق ترامب، في خطاب تنصيبه، بالتفصيل إلى ذكر عدد قليل من تلك القضايا، متعهدا بإعلان حالة الطوارئ الوطنية بشأن قضيتي الطاقة والهجرة، مما يسمح له بوضع قوات أمريكية على الحدود، والحد بشكل كبير من حقوق طالبي اللجوء وتوسيع رقعة مساحات كبيرة من الأراضي الفيدرالية لاستخراج الطاقة، كما تعهد من جديد بتغيير اسم خليج المكسيك إلى “خليج أمريكا” واستعادة قناة بنما.
كما ادعى على نحو لا أساس له من الصحة بأن الصين تتحكم في القناة الرئيسية، وقال إن السفن الأمريكية، بما في ذلك السفن البحرية، تدفع رسوما باهظة للعبور، ربما تلميحا منه إلى الهدف الحقيقي من إجراء مفاوضات في المستقبل مع حكومة بنما.
وقال ترامب: “ستعتبر الولايات المتحدة نفسها مرة أخرى دولة نامية”، متعهدا بزيادة الثروة الأمريكية وتوسيع مساحة “أراضينا”.
قد يثير هذا الجزء الأخير انتباه حلفاء الولايات المتحدة، الذين أعربوا بالفعل عن قلقهم بشأن اهتمام ترامب بجزيرة غرينلاند وتعليقاته بشأن جعل كندا الولاية الأمريكية رقم 51.
طرح ترامب، خلال حملته الانتخابية، وفي هذا الخطاب، سلسلة من الوعود الكبيرة، والآن بعد أن أصبح رئيساً للبلاد، سيواجه تحديات تكمن في الوفاء بما سبق ووعد به، وإبراز ما يعنيه بعبارة “العصر الذهبي” الذي يبشر به بالفعل.
وبعد أن أنهى خطابه ورأى بايدن يغادر على متن مروحية تابعة لمشاة البحرية، ألقى ترامب تصريحات مرتجلة أمام حشد من أنصاره، وهناك ظهر مجدداً ترامب الأكثر عفوية، ذلك الشخص الذي يثير عناوين الأخبار الرئيسية ويقلب المشهد السياسي الأمريكي رأساً على عقب.
قال إن انتخابات 2020 كانت “مزوّرة”، واتهم رئيسة مجلس النواب السابقة، نانسي بيلوسي، بمسؤوليتها جنائياً عن أعمال اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، وتباهى بحجم انتصاره في انتخابات الرئاسة 2024، وقال إنه وافق على مضض على الحديث عن “الوحدة” في خطاب تنصيبه.
كان ذلك مجرد لمحة لما ينتظر ترامب خلال اليوم وخلال السنوات الأربع القادمة.
وفي حفل توقيع الأوامر التنفيذية مساء، اتخذ ترامب فعلاً رئاسياً معتادا، وهو إلغاء أوامر إدارة سابقة من حزب مختلف، لكنه أضفى على المشهد طبيعة استعراضية.
وبعد إلقائه خطاباً طويلاً آخر، وهو الثالث له خلال اليوم، انتقل ترامب وجلس على مكتب صغير على منصة داخل صالة رياضة مغطاة بوسط المدينة بعد أن انتهت مراسم تنصيبه الداخلية، وبدأ في التوقيع على أوامر من بينها تجميد التوظيف الحكومي واللوائح الفيدرالية الجديدة، وتغيير توجيهات اتخذتها إدارة بايدن السابقة، ووقع على أمر يلزم الموظفين الفيدراليين بالعمل بدوام كامل بنظام الحضور الشخصي في المكاتب، كما سحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ.
وقال لأنصاره بعد التوقيع على تجميد اللوائح: “هل تعتقدوا أن جو بايدن كان يستطيع فعل ذلك؟”.
كما وقع على أوامر أكثر رمزية تهدف إلى إنهاء “استغلال الحكومة كأداة” (لتحقيق مصالح خاصة)، وأمر إدارته بمعالجة ارتفاع تكاليف المعيشة.
وبعد الانتهاء من توقيع الأوامر التنفيذية في حفل الصالة المغطاة، ألقى ترامب الأقلام التي استخدمها في التوقيع على الأوامر باتجاه الجمهور، وكانت تلك لمسة أخرى من لمسات ترامب.
عاد ترامب إلى البيت الأبيض، واستمر في توقيع أوامر تنفيذية، تضمنت العفو عن جميع أنصاره المعتقلين تقريبا، البالغ عددهم 1600 شخص، الذين جرى اعتقالهم في أعمال شغب واقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021، فضلا عن تعليق قرار حظر تيك توك مؤقتا وانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية.
كما أعاد تفسير تعديل دستوري هام وأمر إدارته بوقف إجراء منح الجنسية للأطفال المولودين في الولايات المتحدة من مهاجرين غير مسجلين. ولم يتوقف ترامب عن الإدلاء بتصريحات مستمرة طوال الوقت، كان من بينها اقتراح يقضي بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على المكسيك وكندا اعتباراً من 1 فبراير/شباط، واتهام للديمقراطيين بتزوير انتخابات 2020، والتعبير عن شكوكه في وقف إطلاق النار في حرب غزة.
عاد ترامب إلى السلطة من جديد ومعه فريق يحمل استراتيجية مفصلّة لنظام الحكم، وجدول أعمال طموح يسعون إلى تحقيقه، بيد أن ترامب نفسه لا يزال خارج نطاق التوقع وغير قادر على التركيز كما كان دائما، يدلي بتصريحات قد تمثل سياسة جديدة أو مجرد تشتيت مؤقت.
لقد بدأ عصر ترامب الثاني بالفعل.