2025-01-24T08:39:53+00:00
شفق نيوز/ أقيم في طهران حفل إزاحة الستار عن الترجمة الفارسية لرواية “بندر فيلي” للكاتب بختيار علي، وهو كاتب بارز من مدينة السليمانية في اقليم كوردستان العراق.
وأقيمت هذه الفعالية، التي حضرها مترجم الرواية “مريوان حلبجيي”، و الدكتور قطب الدين صادقي، و الناقد والأستاذ الجامعي وحيد أمين زاده ومحمد قاسم زاده، بالإضافة إلى مجموعة من المهتمين بالأدب الروائي، يوم الأربعاء، الثاني والعشرين من كانون الأول الجاري، وبجهود في “كوفيه الناشر الثالث”.
وأشار صادقي في كلمته إلى اسم فيلي واقتباسه من اسم منطقة زاغروس الوسطى وشرق دجلة وولاية الجبل التي كانت تسمى “بهله” في فترات مختلفة من تاريخ إيران القديمة وبلاد ما بين النهرين.
وقال: أصل الاسم القديم فيلي مشتق من الاسم القديم “بهله”، الذي لا يزال يُذكر في مدينة تسمى “بهله” في منطقة زارين آباد في محافظة إيلام.
خلال فترة العهود الإسلامية، تم الحفاظ على اسم (بهله وبهلوي أو بهله يي) باسم (فهله وفهلوي)، وفي الفترة اللاحقة، استمر على شكل مخفف الى “فيلي”، وفي الجغرافيا السياسية المعاصرة، هو اسم يطلق على جزء كبير من الكورد الجنوبيين في العراق وإيران.
ونوه الى معاناة الكورد الفيليين خلال حكم حزب البعث، واعتبر هذا الكتاب الفخم خطوة فعالة لفهم معاناة هذه الشريحة من الشعب التي لا تزال معاناته التي لا تعد ولا تحصى مهملة رغم كل الأعمال غير إنسانية التي مورست بحقها.
وأضاف هذا الأستاذ الجامعي أيضا: خلال العقود الأربعة من الحكم الجهنمي لحزب البعث الصدامي، تم تنفيذ مجموعة من الفظائع بشكل مستمر على شكل أوامر تمييزية وتدمير الهوية مثل التعريب “الإبادة الثقافية”، اختطاف المراهقين والشباب الذكور و إبادتهم جماعياً، خاصة في سجن نقرة السلمان المخيف، ودفنهم فيما تدعى المقابر الجماعية المعروفة أو عمليات الأنفال، وكذلك اسقاط هويتهم على شكل أوامر حكومية مثل التهجير والتسفير والترحيل، وهو ما يعني الطرد من العراق أو النقل من موطن أجدادهم ودمجهم بين العشائر العربية التي تعيش في أجزاء أخرى من العراق، وكذلك مصادرة أموالهم وممتلكاتهم وحتى في مرحلة ما إجبار العراقيات على الطلاق من أزواجهن الكورد وبالعكس وعدم إصدار شهادات ميلاد وكذلك حظر استخدام الهوية واللغة الكوردية ضدهم. وفرضت عليهم اقسى ما يمكن تصوره.
وكانت هذه المآسي، كل واحدة منها بدورها، مآسي إنسانية أكثر فظاعة من معظم عمليات الإبادة الجماعية والمحرقات، لأنه في ذلك الوقت وحتى الآن، صمت المجتمع الدولي ازاءها صمتا مميتا وكذلك صمت الفنانون والكتاب والمجتمع المدني برمته في العراق والعالم صمتا أكثر فضاعة من تلك الجرائم نفسها.
من جهته يرى بختيار علي أن بندر فيلي هو الطفل الموجود داخل كل ضحايا العنصرية، الذي رغم كل المظالم لم يفقد طفولته وقاوم العالم الذي وقف أمامه وأراد أن يكسر طفولته.
ما أراد الكاتب تصويره هو أن “اللذة في الموت” ليست طبيعية، ولكنها وجهة نظر أيديولوجية تقود الناس العاديين إلى اتجاه يفقدون فيه إحساسهم بهويتهم مع الضحايا ويستمتعون في النهاية بقتل الآخرين.
في هذه الرواية يكشف المؤلف الظل المشؤوم للتهديد بتهميش الكورد من منظور توجهات حزب البعث العربي حول الكورد، ويذهب إلى الإبادة الجماعية والتمييز الكثير الذي مر به الكورد الفيليون، بسبب الهوية التي ترجع جزئيا إلى كونها كوردية ومن ناحية أخرى بسبب الاتهام بأنها إيرانية وكون جميع الكورد الفيليين من أصل ايلامي،. لقد نزع البعث شرعيته عن هذه الفئة من الشعب وسمح بقتله وطرده على يد المخابرات والجيش ومرتزقة البعث و الشوفينيين.
رواية بندر فيلي هي قصة أجيال تتوزع بين عدة أماكن وعوالم دون أن يكون لها مكان في أي منها. الشعور بأن الجغرافيا تجبر شعبا على عدم امتلاك هوية وطنية و حضرية. الهوية التي تفتح ذراعيها له في أي موقف ويتحول إلغاء الهوية إلى ألم غريب، ألم قاتل ينتهي به الأمر إلى الطرد التام من الوجود والحياة، وهذه المعاناة الكبيرة هي عندما أزاح صدام السكان الأصليين الحقيقيين شرق دجلة وبغداد من وطنهم وأدى ترحيلهم من وطنهم الأم إلى نقل الفيليين إلى هامش الحياة. حيث يصبحون كائنات غير مرئية ومنسية.
إن وضعية (بندر فيلي) داخل السجن هو تمثيل كامل لمثل هذه الحالات. إنه وضع معلق وهو الحد الأدنى للمسافة بين الوجود والعدم، وهو أيضا وضع مختلط من الوجود واللاوجود. والحقيقة أن الحياة في البرزخ خلقتها المثل العنصرية لحزب البعث العراقي، والمؤسف أكثر أنه بسبب استمرار بعض الآراء العنصرية الناتجة عن نصف قرن من التعليم البعثي، الذي حول -دون وعي- من تمجيد الذات إلى عقيدة مؤسسة شرعية، فإنه لا يزال موجودا كإرث في الفضاء العام العراقي بالشكل الذي يمكن أن يقال، إنه لا يزال هناك الملايين ممن يمتلكون “الروح الصدامية” في قلوبهم، هذا الشعور بالديكتاتورية ينغرس في قلوبهم وأرواحهم لدرجة أن البعض ممن ينتمون إلى أي أمة أو قبيلة أو دين أو وجهة نظر أو موقف اجتماعي وثقافي وحكومي، سيجدون لنفسهم المشروعية ليمارسوا التمييز ضد الكورد الفيليين، ولو إلى حد قليل. وهذا ما سيكرر الجرح القديم في المواقف التاريخية وفي حالة التوتر بين الكورد والعرب أو الإيرانيين والعراقيين.
ورغم أن هذه الرواية تروي قصة طفل ضحية التمييز العنصري في العراق يدعى بندر فيلي، إلا أنها في الواقع راوية النظرة التمييزية وتعالي للحكام الذين يعتبرون الآخرين قاصرين ويحولون البلد إلى سجن كبير لجعل الآخرين تحت الوصاية ويتم تأسيس أساس الاستيعاب الثقافي.
هذه الشخصية الخيالية هي أحد أطفال الكورد الفيليين العراقيين، ولد في سجون البعث ونشأ في السجن لدرجة أنه أصبح غريباً تماماً عن نمط الحياة خارج السجن.
بعد سقوط نظام البعث الصدامي وإطلاق سراح السجناء، يدخل بندر فيلي المجتمع الحقيقي لأول مرة، وفي ساحة الاستقلال ببغداد يصبح تائهاً ويأساً أكثر من ذي قبل، كشخصية مشوهة في علاقاتها الإنسانية خارج السجن.
بأسلوب الواقعية السحرية، يصف بختيار علي بعض مآسي كونك كورديا و22 ألف طفل ومراهق وشاب مختطف من الكورد الفيليين، الذين عانوا معاناة لا حصر لها لمجرد أنهم ليسوا عربا، أو أقلية من السكان يبلغ تعدادهم ثلاثة ملايين نسمة. لقد صورت بشكل جميل الأشخاص الذين لم يتمتعوا بأبسط حقوقهم الإنسانية.
ترجمة: وكالة شفق نيوز