الكورد الفيليون.. معاناة بانتظار حلها بقانون مُغيّب في أدراج البرلمان

شفق نيوز/ يعاني الكورد الفيليون
والذين ينتشرون في بغداد ووسط العراق من مشاكل عديدة، أبرزها مسألة الشهداء ونزاع
الملكية والتعويضات، فضلاً عن استمرار التعامل “غير المنصف” من بعض
الدوائر الحكومية، ما يتسبب بتأخر إنجاز معاملاتهم، فيما يدعو مختصون إلى ضرورة
تحرك البرلمان لتشريع قوانين أو معالجة بعضها بما يُسّهل نيل حقوقهم.

وتعرض الكورد الفيليون للتسفير
والتهجير والاعتقال والقتل إبان حكم الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر، في عامي 1970
و1975، ومن بعده نظام صدام حسين في 1980، ويرى مؤرخون أن التهجير جاء بسبب
انتماءاتهم المذهبية والقومية.

حيث شرع نظام البعث في نهاية
السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن المنصرم بحملة كبيرة لتهجير الكورد
الفيليين، وسحب الجنسية العراقية منهم ومصادرة ممتلكاتهم وأموالهم المنقولة وغير
المنقولة.

وساق النظام السابق الذي رأسه صدام
حسين لنحو ثلاثة عقود، آلاف الشبان من الكورد الفيليين إلى أماكن غير معلومة وما يزال
مصيرهم مجهولاً، ويرجح بأنهم قضوا في المعتقلات أو دفنوا أحياءً في مقابر جماعية.

وأصدرت محكمة الجنايات العليا
حكمها في العام 2010 بشأن جرائم التهجير والتغييب ومصادرة حقوق الكورد الفيليين
وعدتها من جرائم الإبادة الجماعية، وفي العام نفسه أصدرت الحكومة العراقية قراراً
تعهدت بموجبه بإزالة الآثار السيئة لاستهداف الكورد الفيليين، فيما أصدر مجلس
النواب العراقي قراراً عام 2011 عد بموجبه عملية التهجير والتغييب القسري للفيليين
جريمة إبادة جماعية.

قانون مُغيّب في أدراج البرلمان

وفي هذا السياق، يقول مستشار شؤون
الكورد الفيليين في مجلس النواب العراقي، فؤاد علي أكبر، إن “المحكمة
الجنائية أقرت أن الجريمة التي ارتكبت ضد الكورد الفيليين هي إبادة جماعية، وعلى
ضوئها أصدرت رئاسة الوزراء عام 2010 قرار 426 بإزالة الآثار السيئة عن الكورد
الفيليين الناجمة عن الإبادة الجماعية ضدهم”.

ويضيف أكبر لوكالة شفق نيوز،
“كما تم تشكيل لجنة في وزارة الثقافة لإزالة الآثار السيئة ولجنة أخرى في
وزارة حقوق الإنسان (ألغيت الوزارة لاحقاً)، وباشرت اللجان بتغطية مساحة واسعة”.

ويتابع، “بعدها أصدرت رئاسة
الوزراء الأمر الديواني 122 بتشكيل لجنة مرتبطة بالأمانة العامة لإزالة الآثار
السيئة عن الكورد الفيليين، وتضم هذه اللجنة أعضاءً من الجنسية والهجرة والمهجرين
والنزاعات الملكية ومؤسسة الشهداء والسجناء وكل الأطراف التي لها علاقة بمشاكل
الكورد الفيليين، وحققت هذه اللجنة الكثير من الأمور المتعلقة بقضايا الكورد
الفيليين”.

ويردف، “بعدها أصدرت رؤية
بتشكيل لجنة جديدة بأمر ديواني 33 بالأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهذه اللجنة
مستمرة بمتابعة قضايا الكورد الفيليين وتشخيص مشاكلهم، لكن هناك بعض الأمور فيها
مشاكل خلافية وتتطلب تعديلاً بالقانون حيث هناك قضايا تتعلق بالتعليمات، لذلك صار
توجه إلى تشريع قانون لتنظيم حقوق الكورد الفيليين”.

ويوضح، أن “بعض مشاكل الكورد
الفيليين هي نتيجة وجود خلل قانوني، ما يتطلب تشريعاً جديداً أو تعديل بالقانون
لحل هذه الأخطاء، وأن تنظم كل المشاكل التي يعاني منها الكورد الفيليون بقانون،
لذلك تم إعداد مسودة مشروع قانون تنظيم حقوق الكورد الفيليين، وتم تقديمه للوزارات
لإبداء الملاحظات عليها، وبعدها تم تقديم مسودة القانون إلى أكثر من طرف داخل مجلس
النواب لكن المسودة وضعت في أدراج البرلمان ولم تشهد أي تطور منذ عامين”.

الكوتا الفيلية.. ظلم وإجحاف

ويرى مراقبون، أن هناك العديد من
الملفات تخص الكورد الفيليين فيها تلكؤ وإجحاف، منها حصر (كوتا الفيليين) في مجلس
النواب العراقي بمقعد واحد، معتبرين أن هذا قليل وإجحاف بحقهم، كونهم يشكلون شريحة
كبيرة، مطالبين بزيادة الكوتا إلى 5 مقاعد ليتوازى مع حجمهم السكاني الحقيقي
وكثافة تواجدهم في بغداد وديالى وواسط.

وفي هذا الجانب، يقول السياسي
المستقل، حيدر هشام الفيلي، إن “الحكومات المتتالية منذ عام 2003 ولغاية الآن
أصدرت العديد من القرارات الخاصة بحقوق الكورد الفيليين لكن المشكلة تكمن في تنفيذ
تلك القرارات والروتين المتبع في بعض الجهات ذات العلاقة”.

ويضيف الفيلي لوكالة شفق نيوز، أنه
“لهذا نجد تلكؤاً في العديد من الملفات، مثال على ذلك نلاحظ تلكؤ البرلمان
العراقي بتنفيذ قرار المحكمة الاتحادية القاضي بزيادة عدد مقاعد تمثيل الكوتا
الفيلية النيابية أسوة بالمكون المسيحي”.

وهذا ما يطالب به أيضاً عضو مجلس
محافظة بغداد، عامر الفيلي، الذي يقول إن “للكورد الفيليين كوتا نيابية خصصت
لمحافظة واسط فقط، وكان التصويت على نطاق هذه المحافظة دون المحافظات الأخرى، لكن
تم كسب دعوى 45/اتحادية من قبل المحكمة الاتحادية”.

ويوضح الفيلي لوكالة شفق نيوز، أن
“القرار 45/ اتحادية اعتبر أن العراق دائرة انتخابية واحدة أسوة بالمسيحيين
والصابئة، لذلك كان من المفترض عند تشريع قانون الانتخابات السابق تطبيق قرار
المحكمة الاتحادية 45 ليكون من حق كل الكورد الفيليين الموجودين سواء في ديالى أو
بغداد أو أي مكان آخر بالعراق، اختيار المرشح الذي يراه مناسباً ليكون ممثلاً عنه
في مجلس النواب، لكن لم يتم تطبيق هذا القرار”.

ويضيف، “كما هناك قرار
43/اتحادية للإيزيديات وهذا كان في طياته مراعاة المساواة بين الكورد الفيليين مع
المسيحيين الذين يمتلكون 5 مقاعد، لكن لم يتم مراعاة هذه القضية في التشريع السابق
في قانون المحافظات والنواب، وحالياً مجلس النواب بصدد تشريع قانون انتخابات جديد
للانتخابات المقررة في شهر تشرين الثاني المقبل، ويفترض أن يراعى هذا في القانون
الجديد”.

وعن أعداد الكورد الفيليين، يشير
إلى أن “أعداد الفيليين غير محسوم والإحصاء الأخير الذي أجرته وزارة التخطيط
العراقية أهمل القومية والدين، وهذا كان غير صحيح، لأن بمعرفة الأعداد الحقيقية
للكورد الفيليين وكذلك للمكونات الأخرى من المسيحيين والإيزيديين والشبك، يمكن
توزيع الاستحقاقات على إثرها بالتساوي، وبما أن الأعداد مجهولة فمن المستغرب إعطاء
باقي المكونات أكثر من مقعد في وقت الدستور يساوي بين الجميع”.

وفيما يخص أعداد العائدين إلى
العراق، يلفت في ختام حديثه، إلى أن “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ذكرت في
تقرير لها عام 1997 أن أعداد المهجرين إلى إيران كان بحدود 597 ألف إنسان، لكن لا
توجد إحصائية واضحة لأعداد العائدين”.

وكانت وزارة الهجرة والمهجرين
العراقية، قد أفادت عام 2010 بأنه منذ عام 2003، جرت استعادة الجنسية لنحو 100 ألف
كوردي فيلي، وهو رقم قليل طبعاً مقارنة بالذين هجروا الذين تعاظمت أعدادهم حتماً
بفعل الولادات وتكوين أسر جديدة طيلة 43 عاماً، إذ يشكل منحهم جنسية بلدهم الأصلي
حقاً واجباً لهم ولأجيالهم.

اعتراف باستشهاد الكورد الفيليين

يذكر أنه في 6 كانون الثاني الجاري
وبعد عقود من الانتظار، أعلن مدير الدائرة القانونية ورئيس لجنة شؤون الكورد
الفيليين في مؤسسة الشهداء، طارق المندلاوي، الشروع في استكمال معاملات المغيبين
من أبناء هذه الشريحة، الذين بلغ عددهم 22 ألف شخص.

وقال المندلاوي في حديث سابق
لوكالة شفق نيوز، إن “المؤسسة خاطبت مكتب رئيس مجلس الوزراء بشأن قضية
الشهداء المغيبين من الكورد الفيليين، وقد قام المكتب بدوره بمخاطبة مجلس القضاء
الأعلى، مما أسفر عن تشكيل محكمة متخصصة للنظر في مصيرهم، خاصة أن أغلبهم ما زالوا
مسجلين أحياءً في سجلات النفوس”.

وأضاف المندلاوي أن “المؤسسة
عملت على تسريع ترويج المعاملات واستصدار حجج وفاة من خلال المحكمة المختصة، حيث
قامت محكمة الأحوال الشخصية بالنظر في قضاياهم، وتم اعتبارهم شهداء وشملوا بأحكام
قانون مؤسسة الشهداء رقم 2 لسنة 2016”.

وأشار المندلاوي إلى أن “عدد
المعاملات التي تم استصدار حجج وفاة لها بلغ 70 معاملة حتى الآن”.

وتابع قائلاً، “ندعو عبر
وكالة شفق نيوز ذوي الشهداء المفقودين والمغيبين إلى مراجعة الدائرة القانونية،
لجنة شؤون الكورد الفيليين في مؤسسة الشهداء، لاستكمال إجراءات ترويج معاملاتهم”.

وأوضح المندلاوي، أن
“الإحصائيات تؤكد وجود 22 ألف شهيد من المغيبين، حيث احتُجز أغلبهم في سجون
نقرة السلمان، وسجن رقم واحد، وسجن الشعبة الخامسة، وأبو غريب، وسجون أخرى”،
مضيفاً أن “هؤلاء الشهداء دُفنوا في المقابر الجماعية، إلا أنهم ما زالوا
مسجلين أحياءً في سجلات النفوس”.

وكانت وزارة الداخلية العراقية،
وجهت في نيسان 2024، دوائرها برفع التجميد والترقين عن الكورد الفيليين اينما
وجدت، وذلك استجابة الى طلب مقدم من قبل رئيس مجلس النواب بالانابة (في حينها)
محسن المندلاوي بهدف إزالة الآثار السيئة التي اتخذها نظام البعث السابق بحق هذه
الشريحة من المجتمع.

بداية الجرائم بحق الكورد الفيليين

وتعرضت أعداد هائلة من الكورد
الفيليين للتهجير من أراضيهم وبيوتهم بذرائع عنصرية وطائفية، إذ شهد شهر نيسان من
عام 1980 بدء أبشع عملية تهجير جماعية بدأت منذ الرابع من الشهر وتواصلت طيلة
المدة اللاحقة.

وبدأت تلك الجرائم منذ عام 1969،
حين شنت حكومة حزب البعث التي تسلمت السلطة بانقلاب عسكري في عام 1968 حملة ترحيل
ونفي قسري استهدفت الكورد الفيليين لأسباب عرقية ومذهبية، اذ جرى في عام 1970،
ترحيل أكثر من 70 ألف فيلي إلى إيران وسحبت جنسيتهم العراقية، وجرى الإبلاغ عن
كثير من حالات الاختفاء والإعدام بين عامي 1970 و1973.

وتشير الوقائع التاريخية المدونة
الى ان اضطهاد الكورد الفيليين في عهد النظام المباد كان قمعا منهجيا لهم وقد
تعاظم الاضطهاد وتصاعد الى مديات كبيرة عندما تعرضوا بصورة جماعية لحملة كبيرة من
قبل النظام المباد؛ الذي قام بتنفيذ عمليات إعدام نظامية منذ عام 1979 امتدت إلى
مناطق عراقية وكوردية واسعة.

ثم أصدر النظام المباد قرار رقم
666 في عام 1980، الذي حرم الكورد الفيليين من الجنسية العراقية وعدهم ايرانيين،
كما مورست أبشع الجرائم الانسانية ومنها اجبار الرجال المتزوجين من كورديات فيليات
على تطليق زوجاتهم مقابل مبالغ مالية في حال طلاق زوجته أو في حال تهجيرها إلى
الخارج؛ وتهجيره معها أو تعرضه للاعتقال في حال الرفض.

وتشير الأرقام إلى انه جرى ترحيل
نحو نصف مليون كوردي فيلي إلى إيران نتيجة حملات الاضطهاد، واختفى ما لا يقل عن 15
ألف كوردي فيلي، معظمهم من الشباب، لم يتم العثور على رفاتهم بعد ذلك، وجرى
استهداف التجار والأكاديميين الكورد الفيليين البارزين ورفيعي المستوى في بغداد
على وجه التحديد.

وبحسب تقديرات حكومية فإن أعداد
المفقودين بين العامين (1980 و1990)، بلغت نحو 1,3 مليون شخص، بين من أعدم أو فارق
الحياة في السجون، وآخرون مغيّبون.

وكان الكورد الفيليون من اثرياء
العراق وخصوصاً في العاصمة بغداد إضافة إلى تبوئهم مناصب عليا نتيجة إقبالهم على
الدراسة.

وقد تم توثيق العديد من هذه
الجرائم خلال الفترة الماضية بعد سقوط النظام عام 2003 لكن عمليات التوثيق لم تصل
حتى الآن الى مستوى الجرائم التي ارتُكبت بحق الكورد الفيليين.

وبرغم سقوط النظام المباد فان
الكورد الفيليين لم ينالوا حقوقهم الكاملة بحسب القرائن المتحققة التي تشير الى أن
معظم الذين عادوا إلى العراق من الكورد الفيليين واجهوا صعوبات في التقدم للحصول
على الجنسية، أو لاسترجاع جنسيتهم العراقية الاصلية.