القاهرة (خاص عن مصر)- ألقى دونالد ترامب خطاب تنصيبه كرئيس للولايات المتحدة السابع والأربعين، حيث قدم العديد من الادعاءات التي جذبت انتباهًا وتدقيقًا واسع النطاق، وسارع مدققو الحقائق والخبراء إلى الإشارة إلى عدم دقة بعض تصريحاته.
ووفقا للجارديان، فيما يلي، نفحص العديد من الادعاءات الرئيسية التي وردت خلال خطابه ونقدم توضيحًا بناءً على معلومات تم التحقق منها.
ادعاء ترامب بشأن قناة بنما: مضلل وغير صحيح من الناحية الواقعية
كان أحد أكثر الادعاءات إثارة للجدال في خطاب ترامب هو تأكيده على أن الولايات المتحدة يجب أن تستعيد قناة بنما من بنما وتعيدها إلى الولايات المتحدة، كما زعم أن الصين كانت تدير القناة، وبالغ بشكل كبير في عدد الوفيات الأمريكية أثناء بنائها.
كانت كلمات ترامب الدقيقة: “لقد أنفقت الولايات المتحدة أموالاً أكثر من أي مشروع آخر من قبل وخسرت 38 ألف حياة في بناء قناة بنما”، ومع ذلك، فإن العدد الفعلي للوفيات الأمريكية أثناء بناء القناة يبلغ حوالي 5600، حيث يأتي العديد من الضحايا من عمال منطقة البحر الكاريبي، وليس فقط الأمريكيين.
وعلاوة على ذلك، فإن ادعاء ترامب بأن الصين تسيطر على قناة بنما مضلل، في حين تشارك الشركات الصينية في تشغيل بعض موانئ القناة، فإن القناة نفسها تديرها هيئة قناة بنما، وهي كيان حكومي بنمي، لا تحتفظ الولايات المتحدة بأي سيطرة على القناة، وهو الوضع القائم منذ عام 1999 عندما تم نقل السيطرة إلى بنما.
التضخم القياسي وأسبابه.. تفسير مبسط للغاية
في خطابه، أشار ترامب إلى ما أسماه “التضخم القياسي”، وعزا ذلك إلى “الإنفاق المفرط وارتفاع أسعار الطاقة”، ومع ذلك، فإن نظرة فاحصة على البيانات تكشف عن صورة أكثر دقة.
في حين بلغ التضخم في الولايات المتحدة أعلى مستوى له في 40 عامًا في عام 2022، حيث بلغ ذروته عند 9.1٪، فقد حدث أعلى معدل تضخم في تاريخ الولايات المتحدة في وقت أبكر بكثير – 23.7٪ في يونيو 1920.
وبحلول ديسمبر 2024، انخفض التضخم بشكل كبير إلى 2.9٪، مما يتناقض مع ادعاء ترامب بأن التضخم لا يزال عند مستويات حرجة بسبب الإفراط في الإنفاق وتكاليف الطاقة.
اقرأ أيضا.. يزوجون الفتيات لأنهن عبء على المجتمع.. معركة إنقاذ عرائس الأطفال في بنجلاديش
إنفاق الرعاية الصحية.. صحيح ولكن يفتقر إلى السياق
إن تأكيد ترامب على أن الولايات المتحدة تنفق على الرعاية الصحية أكثر من أي دولة أخرى صحيح، فقد صرح قائلاً: “لدينا نظام صحي عام لا يقدم أداءً جيدًا في أوقات الكوارث، ومع ذلك يتم إنفاق المزيد من الأموال عليه أكثر من أي دولة في أي مكان في العالم”.
إن الولايات المتحدة تنفق بالفعل على الرعاية الصحية للفرد أكثر من أي دولة أخرى، أي ما يقرب من ضعف المبلغ الذي تنفقه الدول الغنية الأخرى، ومع ذلك، فإن ادعاء ترامب يتجاهل حقيقة أن نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة غالبًا ما يُنتقد بسبب عدم الكفاءة والتكاليف الإدارية المرتفعة وعدم المساواة في الوصول، مما يقوض فوائد مثل هذا الإنفاق المرتفع.
الطوارئ المناخية.. مزاعم مضللة بشأن استجابة الحكومة
كما زعم ترامب أن حكومة الولايات المتحدة غير قادرة على الاستجابة بفعالية لحالات الطوارئ المناخية، مستشهدًا بحرائق الغابات في كاليفورنيا والفيضانات في ولاية كارولينا الشمالية.
وقال: “لم يعد بإمكان بلدنا تقديم الخدمات الأساسية في أوقات الطوارئ… لا تزال الحرائق مشتعلة بشكل مأساوي منذ أسابيع… إنها تشتعل في المنازل والمجتمعات”.
وقد قوبل هذا الادعاء أيضًا بالتشكك، فعلى الرغم من تصريحات ترامب، كانت الاستجابات للطوارئ في كل من كاليفورنيا وكارولينا الشمالية قوية، على الرغم من استمرار التحديات.
على سبيل المثال، أثناء حرائق الغابات في كاليفورنيا، واجهت الولاية عقبات لوجستية، مثل تخصيص الموارد والتنسيق، لكن الادعاءات بأن الحكومة فشلت في التصرف تم دحضها إلى حد كبير.
وعلاوة على ذلك، قوبلت الفيضانات في ولاية كارولينا الشمالية بالمساعدات والدعم الفيدرالي، على الرغم من اتهامات ترامب.
المجرمون والمهاجرون الخطرون.. لا يوجد دليل يدعم هذا الادعاء
تضمن خطاب ترامب ادعاءً متكررًا بأن حكومة الولايات المتحدة وفرت ملاذًا لـ “المجرمين الخطرين”، الذين يُزعم أن العديد منهم دخلوا البلاد بشكل غير قانوني من السجون والمؤسسات العقلية، وقال: “لقد فشلنا في حماية مواطنينا الأمريكيين الرائعين الملتزمين بالقانون، لكننا نقدم ملاذًا وحماية للمجرمين الخطرين”.
ومع ذلك، يفتقر هذا التأكيد إلى أدلة مؤكدة. تُظهر دراسات متعددة، بما في ذلك تلك الصادرة عن معهد كاتو المحافظ، أن المهاجرين، سواء القانونيين أو غير المسجلين، أقل عرضة لارتكاب الجرائم من المواطنين المولودين في الولايات المتحدة، وفي حين شهدت بعض المدن زيادة في الهجرة، فإن الغالبية العظمى من هؤلاء الأفراد وصلوا بشكل قانوني أو ينتظرون حل قضاياهم.
رأي الخبراء.. الرسائل السياسية مقابل الواقع القائم على الحقائق
لقد أبدى الخبراء آراءهم في خطاب تنصيب ترامب، مشيرين إلى أنه في حين أن الرسائل السياسية غالبًا ما تتشكل من خلال الخطابة والمبالغة، فإن الحقائق حاسمة في تعزيز وعي الجمهور.
وفقًا للمحلل السياسي سام هاموند، فإن “مثل هذه التصريحات مصممة لإثارة المشاعر، لكنها غالبًا ما تعتمد على حقائق مختارة وإغفالات”. ويؤكد هاموند أنه في حين أن بعض ادعاءات ترامب قد تعكس أجندته السياسية، إلا أنها لا تتوافق دائمًا مع واقع البيانات.
في سياق أوسع، يزعم الخبراء أنه يجب محاسبة القادة السياسيين على دقة تصريحاتهم العامة، وخاصة عندما تُستخدم هذه التصريحات لتبرير مواقف سياسية. وتواصل منظمات التحقق من الحقائق والمحللون المستقلون تحدي الادعاءات التي تفتقر إلى الأدلة، كجزء من الجهود الجارية لتعزيز الشفافية والحقيقة في السياسة.
رسالة مختلطة
في حين احتوى خطاب تنصيب دونالد ترامب على بعض الملاحظات الدقيقة، إلا أنه كان مليئًا أيضًا بالمزاعم الكاذبة والتصريحات المضللة، من قناة بنما إلى التضخم والرعاية الصحية والهجرة، يعمل خطابه كتذكير بأهمية التحقق النقدي من الحقائق في الخطاب العام، ومع شروع الرئيس السابع والأربعين في ولايته الثانية، تظل الحاجة إلى الدقة والشفافية في الرسائل السياسية ذات أهمية قصوى.
يؤكد هذا التحليل على الحاجة المتزايدة إلى أن يقدم القادة السياسيون روايات واضحة ومبنية على الحقائق، وخاصة عند مناقشة قضايا معقدة مثل الأمن القومي والسياسة الاقتصادية والرفاهة الاجتماعية.
ومن خلال الخطاب الصادق فقط يمكن للحكومة الأمريكية معالجة تحديات المستقبل مع ضمان ثقة الجمهور.