“أنت لقيط”.. جرح مفتوح لمجهولي النسب في المجتمع المصري

“أنت لقيط”.. جرح مفتوح لمجهولي النسب في المجتمع المصري



fantazziabed

تعتبر قضية الأطفال مجهولي النسب من القضايا الشائكة في المجتمع المصري، حيث يتم إلقائهم بالشوارع لظروف غالبًا تتعلق بإنجابهم إثر علاقة غير شرعية، ليبدأ هؤلاء الأطفال رحلة معاناة مليئة بالتحديات والصعوبات.

“لقيط”.. هي الكلمة التي يتم بها وصم الطفل مجهول النسب، فلا يتم الاكتفاء بحرمانه من أبسط حقوقه في التنشئة وسط أبوين محبين، بل يصل الأمر لضغط مجتمعي ومعاناة من نظرات الرفض والازدراء، ومطاردة شبح العزلة والاغتراب الاجتماعي. 

“تليجراف مصر” يسلط الضوء على قضية الأطفال مجهولي النسب، وكيفية رعايتهم حتى يصبحوا أشخاص أسوياء مفيدين للمجتمع في المستقبل، من خلال آراء خبراء الطب النفسي.

نتاج لسوء التصريف مع اختلال القيم

ويؤكد الإخصائي النفسي الدكتور وليد هنداوي، إن الولادة غير الشرعية تؤدي إلى ولادة أطفال معرضين للجنوح، والاستغلال، والجريمة، ويعانون تبعات اختلال القيم الأخلاقية وانعدام الضمير، مشيرًا إلى أن تلك الظاهرة تترك الأطفال ضحايا لقرارات غير مسؤولة تؤثر بشكل عميق على حياتهم ومستقبلهم.

الإخصائي النفسي الدكتور وليد هنداوي

 “أنت لقيط”

و أكد هنداوي أن ظاهرة الأطفال مجهولي النسب من الظواهر المسكوت عنها في المجتمعات العربية، رغم أنها في تزايد مستمر. 

وأضاف هنداوي أن هؤلاء الأطفال يواجهون العديد من الصعوبات، أبرزها النبذ المجتمعي، حيث لا يتمكنون من العيش حياة طبيعية سواء في العمل أو في بيئة أسرية مستقرة. 

وأشار إلى مشهد مؤثر من فيلم “الخطايا” للفنان عماد حمدي والفنان عبدالحليم حافظ، حيث قيل لعبد الحليم: “أنت لقيط”، متابعًا هنداوي: “كلنا شاهدنا الصدمة التي كانت على وجه عبدالحليم حافظ”، مؤكدًا أن هذا المشهد يعكس مأساة مجهولي النسب، التي تترك أثرًا نفسيًا بالغ الصعوبة عليهم.

يعاملون بألفاظ جارحة

وذكر هنداوي أن الأطفال مجهولي النسب غالبًا ما يعاملون بألفاظ جارحة مثل “ابن حرام” أو “ابن زنا”، ما يؤدي إلى تدني مفهومهم عن أنفسهم، وتعرضهم لمزيد من العنف والإيذاء، سواء في المؤسسات أو في بيئات أخرى. 

أوضح هنداوي أنه في حال كان الطفل مجهول النسب بلا مأوى ويعيش في الشارع، يصبح عرضة للاستغلال الجنسي وسهل التأثر بالآخرين.

فريسة للإغراءات

كما يمكن أن يقع فريسة للإغراءات، مما قد يدفعه إلى الانحراف والإدمان على التدخين مواد مثل “الكولة أو البنزين”، وأضاف أنه في بعض الحالات، إذا استضافته إحدى الأسر لرعايته، قد يُجبر على العمل ليصبح مصدر دخل لتلك الأسرة، وهو ما يعتبر نوعًا من أنواع العنف.

وأشار إلى أن الطفل الذي يدخل المدرسة قد يعاني صعوبات في التعلم، بالإضافة إلى فقدان هويته، يشعر كأنه شخص سلبي يعتمد على الآخرين في الحصول على الشفقة والمساعدة، ما يجعله يفشل في تكوين علاقات اجتماعية صحيحة، كما يواجه صعوبة في تحمل المسؤولية المجتمعية، فهو يفتقر إلى حس المشاركة أو الدفاع عن الوطن.

الغربة والاختلاف

وأكمل هنداوي أن الطفل مجهول النسب دائمًا يشعر بالغربة والاختلاف عن أطفال المجتمع، ويعاني نقصًا في الاستقلالية والشعور بالمراقبة المستمرة، حتى إذا عاش في بيئة أو أسرة، فإنه يعاني مشاكل نفسية وصحية، مثل سوء التغذية، ما يجعله عرضة للتأزم النفسي والشعور بالإحباط والعجز بسبب غياب الدعم الاجتماعي والدفء الأسري.

وتابع هنداوي أنه مع مرور الوقت، تتشكل لدى هؤلاء الأطفال سلوكيات عدوانية، بدءًا من المرحلة الإعدادية فصاعدًا. 

مجرمين اجتماعيين

وفي بعض الحالات، قد يصبح هؤلاء الأطفال مجرمين اجتماعيين، حيث يتحولون إلى أفراد معادين للمجتمع، ويسعون للانتقام من العالم الذي يعيشون فيه، وفق هنداوي.

وأكد هنداوي أن الوأد النفسي الذي يتعرض له هؤلاء الأطفال أشد قسوة من القتل الجسدي، مشيرًا إلى أن المادة 70 من الدستور المصري تكفل حقوق الطفل، بما في ذلك الحق في الحصول على اسم مناسب ورعاية أسرية وصحية. 

كما أشار إلى أن مصر قد أنشأت العديد من مؤسسات الإيواء التي تستوعب الأطفال مجهولي النسب، حيث بلغ عددها 471 مؤسسة في عام 2019. 

 إعادة تأهيل الأطفال مجهولي النسب

ويدعو هنداوي إلى إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال من خلال تعليمهم حرفًا ومهارات، والعمل على دمجهم في المجتمع من خلال المشاريع الخيرية والأنشطة التي ترفع من مستوى تقديرهم لذاتهم.

وأشار هنداوي إلى ضرورة تحسين جودة حياة هؤلاء الأطفال من خلال تحسين العلاقات المجتمعية، وتوفير الملابس المناسبة لهم، ودعمهم بالزيارات المجتمعية والانفتاح عليهم. 

وشدد على ضرورة وجود أخصائيين نفسيين متميزين يعملون على دعم هؤلاء الأطفال وتطوير مراحل نموهم الاجتماعي والنفسي، إضافة إلى سن تشريعات رادعة ضد كل من يستغل هؤلاء الأطفال أو يتاجر بهم.

“الولاء والانتماء “

من جانبه، أشار الاستشاري النفسي جمال محمد فرويز،  إلى أن أبرز مشكلة يواجهها الأطفال مجهولو النسب هي “الولاء والانتماء”، وهي مشكلة نفسية معقدة، حيث يشعرون وكأنهم بلا وطن أو هدف، ويفتقرون للأمان والعاطفة. 

وبين أن الدولة توفر لهم أماكن للإقامة، والطعام، والملابس، لكن ما ينقصهم هو العاطفة، ما يجعلهم دائمًا يشعرون بوجود فجوة في حياتهم.

 الاكتئاب والمشاكل النفسية

وأضاف فرويز لـ”تليجراف مصر” أن العديد من هؤلاء الأطفال يبحثون عن أسرهم لتعويض شعورهم بالطمأنينة. 

الاستشاري النفسي الدكتور جمال محمد فرويز

واستشهد بحالة أحد الأطفال الذين عرفهم، حيث كان يعاني الاكتئاب والمشاكل النفسية، ولكن عندما اكتشف أسرته الكبيرة، تغيرت حياته بشكل جذري، حيث أصبح أكثر استقرارًا نفسيًا رغم استمرار مشاكله في الحياة.

واحد ملوش أهل

وتابع فرويز قائلاً أن بعض الشباب الذين التقاهم يعانون مشكلات تتعلق بالنسب والزواج، حيث يتم رفضهم بسبب كونهم مجهولي النسب، حيث يقال لهم: “أنا ذنبي إيه أدي بنتي لواحد ملوش أهل”.

وأشار إلى أن هؤلاء الأشخاص الذين يجدون شخصًا يحتويهم ويعطيهم الدعم العاطفي، يتطورون بشكل إيجابي ويتعايشون بشكل جيد مع الحياة. أما الذين يفتقدون هذا الدعم، فإن حياتهم تكون مليئة بالصعوبات، وخاصة فيما يتعلق بالولاء والانتماء للمكان.

وأضاف فرويز أن العديد من هؤلاء الأطفال يتمتعون بالإبداع والعبقرية، حيث يظهرون قدرات متميزة رغم الضغوط التي يواجهونها، ما يثبت أن الإبداع غالبًا ينشأ في ظروف صعبة.

دعم الأطفال مجهولي النسب

وأكد فرويز أن أفضل وسيلة لدعم الأطفال مجهولي النسب هي العاطفة، حيث إن الدولة والجمعيات الأهلية توفر لهم الاحتياجات الأساسية من طعام وملابس ومنام، ولكنها تفشل في تقديم الدعم العاطفي المطلوب.

وأعرب عن أسفه لعدم اختيار الأشخاص المؤهلين للعمل في دور الرعاية، حيث إن أغلب العاملين في هذه الدور يأتون من مناطق فقيرة ولا يتوفر لديهم الحس الأمومي أو الأبوي المطلوب. واقترح دمج دور المسنين مع دور رعاية الأطفال مجهولي النسب، حيث يمكن أن يوفر كبار السن الذين لديهم عاطفة جياشة بيئة دافئة للأطفال.

العار الاجتماعي

فيما يتعلق بالحالة النفسية للأم التي تلد طفلًا مجهول النسب، أوضح فرويز أن الوضع يختلف من أم لأخرى، فبعض الأمهات يرفضن أطفالهن بسبب شعورهن بالعار الاجتماعي، وهو أمر طبيعي في بعض الحالات، حيث ترفض الأم الحمل لأنها ترى أن الطفل يشكل عارًا عليها، وهو ما يتجسد في العديد من القصص المؤلمة. 

 ترفض الطفل وتواجده

وواصل أنه في حالات أخرى،  هناك من كانت ترتبط بشخص أو تحبه وحدث حمل وتخلى عنها بطريقة أو بأخرى تتعلق بالطفل لأنه ابنها، وعلى النقيض فمن تعرضت للاغتصاب ترفض الطفل وتواجده.

حق الحياة

وأكمل: يصعب بشكل كبير دعم هؤلاء الأمهات حيث إنها بالفعل تشعر بالعار، مشيراً إلى أن مثل هؤلاء الأطفال ضحاية لا ذنب لهم في أي شيء، مؤكدًا في النهاية أن للطفل مجهول النسب حق الحياة مثله مثل أي مصري، وله كل الحقوق وعليه كل الواجبات.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *