ملفات وتحقيقات – تقرير: أزمة انقطاعات الكهرباء في عدن.. تدهور الخدمات وعجز حكومي عن الحل

ملفات وتحقيقات – تقرير: أزمة انقطاعات الكهرباء في عدن.. تدهور الخدمات وعجز حكومي عن الحل

شكرا لمتابعتكم خبر عن ملفات وتحقيقات – تقرير: أزمة انقطاعات الكهرباء في عدن.. تدهور الخدمات وعجز حكومي عن الحل

تشهد مدينة عدن منذ سنوات أزمة خانقة في قطاع الكهرباء، حيث يعاني سكان المدينة من انقطاعات متكررة وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 18 ساعة يومياً، وسط ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب على الطاقة، مما أدى إلى معاناة كبيرة للسكان، وتعطيل مصالحهم وأعمالهم، ورغم الوعود الحكومية المتكررة بحل الأزمة، إلا أن الواقع يشير إلى أن الأزمة ما زالت تتفاقم في ظل غياب الحلول الجذرية وعجز السلطات عن التصدي للأسباب الأساسية للمشكلة.

أسباب الأزمة: بنية تحتية متهالكة ونقص في الوقود

وبحسب خبراء في مجال الطاقة، تعود أزمة الكهرباء في عدن إلى عدة عوامل، من أبرزها تهالك البنية التحتية لشبكة الكهرباء التي تعتمد على محطات قديمة تعود إلى السبعينيات، وتعمل بأقل من نصف طاقتها الإنتاجية.

وأوضح مسؤول في وزارة الكهرباء فضل عدم ذكر اسمه أن “البنية التحتية للكهرباء أصبحت غير قادرة على تلبية الطلب المتزايد، وتعاني المحطات من تكرار الأعطال لعدم وجود صيانة دورية”.

وأضاف أن نقص الوقود يعتبر أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم الأزمة، حيث تواجه الحكومة صعوبة في تأمين إمدادات الوقود اللازمة لتشغيل المحطات، ما يؤدي إلى توقفها عن العمل لفترات طويلة. وقد شهدت عدن خلال الأشهر الأخيرة عدة احتجاجات من عمال الكهرباء بسبب تأخر صرف مخصصات الوقود.

وعود حكومية بلا نتائج ملموسة

ورغم تأكيدات الحكومة المتكررة بوجود خطط لتطوير قطاع الكهرباء، إلا أن سكان عدن يرون أن تلك الوعود لم تُحقق أي تغيير على أرض الواقع. وقال المواطن محمد علي صالح، وهو أحد سكان منطقة المعلا: “في كل صيف نسمع عن مشاريع جديدة لتحسين الكهرباء، لكن مع حلول الصيف ترتفع فترات الانقطاع وتزداد المعاناة، لا أحد يصدق وعود الحكومة بعد الآن”.

وتشير مصادر حكومية إلى أن التمويل المحدود هو العائق الأكبر أمام تحسين شبكة الكهرباء، حيث تؤكد الحكومة أنها تعمل بموارد محدودة في ظل أزمة اقتصادية خانقة، مما يجعلها عاجزة عن تمويل مشاريع تطوير كبرى.

أين تذهب إيرادات الكهرباء؟

وفي الوقت الذي تتزايد فيه تساؤلات المواطنين حول الإيرادات التي تحصل عليها مؤسسة الكهرباء، تشير تقارير محلية إلى أن جزءاً كبيراً من الإيرادات يتم تبديده في نفقات تشغيلية ورواتب لموظفين “وهميين” أو غير مؤهلين، ويشير مسؤول آخر بوزارة الكهرباء فضل عدم الكشف عن هويته- إلى أن “الإيرادات لا تُستثمر في تحسين الخدمة أو في شراء الوقود كما ينبغي. هناك فساد كبير يتمثل في عقود الصيانة وتوريد الوقود بأسعار مبالغ فيها، وهذه العقود تمر دون رقابة”.

فساد إداري ومالي يعمّق الأزمة

وتسلط التقارير الضوء على قضايا فساد تورط فيها مسؤولون في قطاع الكهرباء، حيث يتم إهدار الأموال على عقود غير مجدية وأحياناً وهمية. كما يتم تمرير عقود توريد الوقود لمحطات الكهرباء بأسعار مرتفعة عن سعر السوق، وسط اتهامات بوجود مستفيدين من هذا الوضع.

وأشار المسؤول إلى أن “هناك موظفين يتقاضون رواتب دون أن يكون لهم أي دور فعلي، وبعض العقود تُمنح لشركات غير مؤهلة، ما يؤدي إلى تبديد المال العام وفشل المشاريع”. وأضاف أن “الفساد يعد أحد الأسباب الرئيسية في استمرار الأزمة؛ حيث يتم تفضيل المصالح الشخصية على مصالح المواطنين”.

انعكاسات الأزمة على حياة المواطنين

أدت انقطاعات الكهرباء المستمرة إلى تدهور جودة الحياة في عدن، حيث يعاني السكان من ارتفاع درجات الحرارة وصعوبة الحياة اليومية. وقالت المواطنة فاطمة أحمد سعد وهي ربة منزل من حي الشيخ عثمان: “لا نستطيع أن نعيش بدون كهرباء، نحن نعيش في جو حار جدًا، وحتى الطعام لا نستطيع حفظه في الثلاجة. أصبحنا ندفع ثمن تردي الخدمات”.

كما أثر انقطاع الكهرباء بشكل مباشر على الأعمال التجارية في المدينة، حيث يضطر التجار وأصحاب المحال إلى إغلاق محلاتهم خلال ساعات الانقطاع، أو تشغيل مولدات كهرباء بتكلفة مرتفعة، مما ينعكس على أسعار السلع والخدمات.

وفي القطاع الصحي، باتت المستشفيات والمرافق الصحية تعاني من صعوبات في تقديم خدماتها للمرضى، إذ يعتمد الكثير منها على الكهرباء لتشغيل المعدات الطبية والحفاظ على الأدوية، وأشارت الدكتور دعاء علي وهي طبيبة تعمل في أحد المستشفيات الحكومية، إلى أن “تكرار انقطاع الكهرباء يعرض حياة المرضى للخطر، ونعتمد على مولدات قديمة أحياناً تكون غير قادرة على تشغيل الأجهزة الضرورية”.

الاستثمار في الطاقة المتجددة كحل بديل

ويرى مختصون أن الحل قد يكمن في الاستثمار في الطاقة المتجددة كبديل عن الكهرباء التقليدية. ويقترح المهندس عصام أحمد، خبير في الطاقة الشمسية، أن “تتبنى الحكومة خطة شاملة للاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فهي مصادر متجددة ومتوفرة بكثرة في اليمن، ويمكن أن تخفف من أزمة الكهرباء بتكلفة أقل على المدى الطويل”.

دعوات لمكافحة الفساد وإصلاح قطاع الكهرباء

ويطالب مواطنو عدن الحكومة بضرورة مكافحة الفساد في قطاع الكهرباء وتفعيل آليات الرقابة والمحاسبة، وتوجيه الإيرادات نحو تحسين الخدمة، بدلاً من أن تذهب لجيوب الفاسدين، كما يدعون المجتمع الدولي إلى دعم مشاريع تحسين البنية التحتية للطاقة، والتأكد من صرف الأموال بشكل شفاف.

وتبقى أزمة الكهرباء في عدن أحد أبرز التحديات التي تواجه المدينة وأهلها، وبينما تتزايد معاناة المواطنين، يبقى الحل بعيد المنال ما لم تتخذ الحكومة خطوات جادة للتصدي للفساد وإصلاح قطاع الطاقة، والعمل على توفير موارد كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة للطاقة في عدن.

كاتب وصحفي مصري يتمتع بخبرة تفوق 10 سنوات في إعداد المقالات والتحقيقات الصحفية المتخصصة في القضايا الاجتماعية والسياسية. يشتهر بأسلوبه الواضح والدقيق وقدرته على تغطية الأخبار بتوازن.