مقال : مشتاق العلوي – تجربتي الخاصة مع الفلسفة

مقال : مشتاق العلوي – تجربتي الخاصة مع الفلسفة

شكرا لمتابعتكم خبر عن مقال : مشتاق العلوي – تجربتي الخاصة مع الفلسفة

سأبدأ المقال باعتراف شخصي بحت، وهو أنني قبل حوالي عشر سنوات كنت أتابع صفحات على مواقع التواصل الإجتماعي، تنشر خواطر، وعبارات ذات طابع فلسفي، وكانت تعجبني تلك العبارات وتلفت انتباهي، مرت الأيام وأصبحت متعلق بتلك العبارات، لأني شعرت إن تلك العبارات أقرب إلى قلبي، أو بصحيح العبارة “كأنها موجهه لي” لأن الفلسفة بطبيعتها هي النظر في الأشياء بطبيعتها المجردة والمثبتة، ولا مجال للروحانيات في الفلسفة، خصوصًا الفلسفة المادية..

مرت الأيام وزاد تعلُقي بتلك الاقتباسات، والخواطر، فقمت بتحميل عدة كُتب فلسفية من متصفح الويب الخاص بي، وذلك من خلال هاتفي المحمول بصيغة PDF، وتعمقت في محتواها، ومن كُثر هوسي بتلك الكتب كتُ أحفظها، وأول كتاب قراءته كان للفيلسوف (أرسطو)، الذي كان عنوانه “ما وراء الطبيعة”.

ثم كتاب “ظاهريات للروح” للفيلسوف (جورج هيغل)،

ثم كتاب للفيلسوف (فريدريك نيتشه) واسمه “ما وراء الخير والشر”،

ثم عدة كتب للفيلسوف الروسي (فيودور دوستويفسكى) وأهمها “رواية الجريمة والعقاب” ثم

“الليالي البيضاء”….

وهناك عدة كُتب فلسفية امضيت امتع اوقاتي في قراءتها، حتى أصبحت اعشق الوحدة الانفراد واكره الضجيج، والغوغاء، بل كنت أنظر إلى من حوالي من أهلي والأصدقاء على انهم اشبه بالانعام، وكانت تلك النظرة من باب الاشفاق، والرحمة، لاني كنت أراهم أدنى مني علم، ومعرفة، ووعي.

ثم بعد ذلك قراءت نص على منصة _ فيس بوك _ يتحدث عن نظرية (داروين حول أصل الإنسان)، وقادني الفضول إلى معرفة تلك النظرية، وحقيقتها، وهنا بدء تأثير الكُتب التي قرأتُها مسبقا على نفسيتي، ومعتقداتي، وايماني، تماشيًا مع تفسير نظرية داروين لعدة أشخاص….

ولا أخفيكم سرًا لقد كنت اجادل اقرب الناس لي بخصوص الثوابت، خصوصًا الروحانيات، التي لا وجود لها في كتب الفلسفة المادية، فأصبحت إنسان مشتت الأفكار، وملخبط الذهن، لا أكاد اعرف من أنا، وماذا أريد، وأين وجهتي القادمة، وأين كنت، ولماذا وجدتُ،

لازمني الصداع المستمر وأصبح جسمي نحيل، وتغيرت افكاري، وافعالي، وردود افعالي مع الجميع، حتى أني وصلت لدرجة عدم قناعتي بفكرة الزواج واعتبرتها فخٌ مُحكم، وإن وجود امرأة في حياة الرجل ليس بالضروري، ولا بالمهم..

تغيرت حياتي راسًا على عقب، وأصبحت مهووس في منصات العالم الأزرق، أبحث فيه عن كل ما يشكك في ديني، ومعتقداتي، حتى انني أتذكر تلك الليلة التي تجادلت فيها مع صديق لي حول حقيقة وجود الله سبحانه وتعالئ، واستدليت بأية من القرآن الكريم في سورة الأعراف الآية رقم (143) التي يقول سبحانه وتعالى (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ)، فقلت في نفسي هذا حال نبي الله موسى عليه السلام فكيف بي أنا، وزين لي الشيطان حقيقة فعلتي، وتفرعت في رأسي شكوك عده، والعياذ بالله من الشيطان الرجيم، حتى بزوغ الصباح، فقمت إلى فراشي، والصداع يشق رأسي كما يشق الفأس جذوع الاشجار… ٍ

فمكثت على هذه الحالة قرابه السنتين تقريبًا، وكان أهلي، وأصدقائي، يلاحظون علامات الهزل والنحول على جسمي، ومنطقي، وذلك من خلال تصرفاتي، وافعالي، التي توحي قليلًا الى الجنون، فكنت لا أكترث لكلامهم واعتبرت ذلك، نوع من السماجة، والكلام الفارغ…

مرت الأيام حتى وجدت نص على منصة فيس بوك يتحدث عن كتاب عنوانه (الإسلام بين الشرق والغرب) للكاتب (علي عزت بيجوفيتش) أول رئيس لدولة البوسنه والهرسك) فجذبني النص وقمت بتحميل الكتاب على هاتفي المحمول، وخصصت له مدة من الوقت لقراءته، ولم يعجبني في بدايته لأن عقلي كان مبرمج على الاشياء المادية والملموسة، وذلك بسبب تأثير كتب الفلسفة على عقلي، وأفكاري، واستمرت قراءة الكتاب عدة أيام متفاوته، حتى بدأتُ أشعر بالطمأنينة، شيءً فشيءٌ مع تعمقي في احشاء الكتاب، وذلك عندما وجدت الكاتب، بيجوفيتش، قد قام بتفنيد كل النظريات المادية، ومنها نظرية “داروين”، وهنا شعرت بعودة الطاقة الإيجابية إلى جسدي مجددًا، حتى أنهيت قراءتي للكتاب، وشعرت بفارق كبير جدًا في استقرار ذهني، وتفكيري، ثم أخبرت صديق لي بذلك الانشراح الذي لازمني أثناء قراءتي للكتاب، فنصحني بقراءة كتاب (رحلتي من الشك إلى اليقين) للكاتب المصري “مصطفى محمود”، وقمت بتحميلة على هاتفي، فصبيت كل تركيزي في صفحات ذلك الكتاب، شعرت أن الدكتور مصطفى محمود قد خاض تجربتي، فهمت أن الكلام الموجود على الصفحات يخاطبني أنا، ويتحدث نيابةٌ عني، ويجول عن ما بخاطري، حتى انني انهيت قراءة الكتاب في ليلتين فقط.

ثم قرأت بعد ذلك كتاب للدكتور فاضل السامرائي (نداء الروح) وهنا عدت إلى رشدي بعد ضلالي ونشوزي وحمدت الله على هدايتي وبلوغي طريق الحق والصواب، ومنذ ذلك الحين قطعت عهدًا على نفسي أن لا اعاود لمثل تلك الكتب الفلسفية ما حييت، وحرمتها على نفسي إلى الممات.

فنصيحتي للجميع مِمن يقراء مقالي هذا، إياكم والشروع في كتب الفلسفة خصوصًا الفلسفة المادية، والعدمية، والوجودية، بذات الأشخاص، محدودي الوعي، والدراية، وجاهلي علوم الشريعة الإسلامية، وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، والمسلمين بالفطرة الربانية، إياكم إياكم فإنه لا يوجد ترابط أو إجماع بين الفلسفة، و الدين الإسلامي على الإطلاق، وبإمكانكم التأكد من خلال قراءة كتب علماء المسلمين في الفلسفة، الذين حاولو دمج الفلسفة مع الدين أمثال: ابن رُشد، وابن حزم، وابن سيناء، وابن عربي، والفارابي…. الخ

فلا مجال للإتحاد بين المتافرين، فمن حاول جمع

الأثنين فإن العقل السليم لا يتقبلها في آن واحد، فأما الأول ووحده، وإما الثاني ولوحده، وهذا عن تجربة شخصية بحته.

ومن باب الإنصاف وعدم الجحود، أحب التنوية للقارئ الكريم، أن للفلسفة عدة أقسام منها :

المادية، والوجودية، والعدمية، والمثالية،…. إلخ، وكل قسم يحتوي على عدة أقسام بداخلة، وقد وقع في قلبي ما في أحد الأقسام من الأقسام الرئيسية، وهو قسم الفلسفة المثالية وفرعها: “*الفلسفة المثالية*

1- (المثالية الظاهرتية)، والتي يوضح مؤسسها [هوسرل] على أن:

*اكتشاف جواهر المفاهيم، والأشياء، يرجع للحدس؛ حيث إن التجربة فقط هي لإيضاح طبيعة هذا الجوهر*.

2- (المثالية المُطلقة)، والتي يوضح مؤسسها [جورج هيغل) إلى أن:

*العقل عبر تطوره الخاص به ما هو إلا تعبير عن تطور الواقع*

3- (المثالية الموضوعيّة) والتي يؤمن مؤسسها (شيلنغ) إلى أن *- كافة الظواهر المتعلقة بالوعي هي بالفعل موجودة في نظام مطلق يسبق الوجود الإنساني-*….

وجميعنا نعلم أن هؤلاء الفلاسفة جاءوا قبل الإسلام، ولم يعلموا عن الدين الإسلامي الذي أرسله ربنا تبارك وتعالى، عبر نبينا محمد صلّ الله عليه وسلم، شيء، وقد أجبت عليهم بآية من القرآن الكريم، والتي يقول فيها تبارك وتعالى في سورة البقرة الآية رقم (30):

وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين.

ومعنى ذلك أن جميع ما توصل إليه العالم برمته، من تقدم في كافة المجالات العلمية، والعملية، من اكتشافات هي بالأساس موجودة في عقل الإنسان، إنما الإنسان فقط باستخدام عقلة، ومن خلال التجارب واستخدام الموجود، وصل إلى ما وصل إليه اليوم من تطور علمي، وتكنولوجي وتقني….إلخ

فإنني اتحدى العلماء جميعًا أن يستخدموا العدم، ولن يستطيعوا ذلك، لأن العدم لا يعلمه إلا الله وحده لا شريك له، هو خالق المحسوس، والمعدوم.

#انتهى

كاتب وصحفي مصري يتمتع بخبرة تفوق 10 سنوات في إعداد المقالات والتحقيقات الصحفية المتخصصة في القضايا الاجتماعية والسياسية. يشتهر بأسلوبه الواضح والدقيق وقدرته على تغطية الأخبار بتوازن.