معضلة الرواتب تتأرجح في بغداد وسط مباحثات مكوكية لنيجيرفان بارزاني
شفق نيوز/ يعقد الكوردستانيون آمالاً على زيارة رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني إلى العاصمة العراقية بغداد، ولقائه بعدد من المسؤولين الحكوميين والحزبيين واجتماعه مع ائتلاف إدارة الدولة في سبيل إيجاد الحلول المناسبة للملفات العالقة أبرزها أزمة رواتب الموظفين.
وحضر نيجيرفان بارزاني، في زيارته التي بدأت الأحد وتستمر يومين، اجتماع ائتلاف إدارة الدولة بحضور رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، ورئيس مجلس النواب محمود المشهداني وغيرهم، وأكد الائتلاف “عدم وجود موقف سياسي من ملف رواتب الموظفين في إقليم كوردستان، سوى القضايا الفنية التي بالإمكان التوصل إلى صيغ حل بشأنها عبر الحوار والتفاهم، البعيد عن منصّات التصعيد الإعلامي”.
ولاحقاً، أكد رئيس الحكومة الاتحادية محمد شياع السوداني، ورئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، في اجتماع منفرد، على تعزيز التعاون لمواجهة “التحديات الوطنية”، وفي لقاء آخر، بحث نيجيرفان بارزاني مع رئيس المحكمة الاتحادية العليا في العراق، القاضي جاسم محمد حلولاً قانونية للأزمات بين أربيل وبغداد.
كما عقد اليوم الاثنين سلسلة اجتماعات مع قادة سياسيين وحزبيين.
وتستمر أزمة الرواتب في إقليم كوردستان مع بداية العام 2025، بإثارة الجدل وقلق المواطنين، حيث باتت هذه القضية محور مطالبات شعبية لحلها بشكل جذري، وتتركز الدعوات على حسم مصير راتب شهر كانون الأول/ ديسمبر لعام 2024 الذي لم يتم صرفه بعد، في ظل انعكاسات خطيرة على حياة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، وسط تأكيدات بأن الحل يكمن في التزام كل من بغداد وأربيل بقرارات المحكمة الاتحادية وتجنيب المواطنين نتائج الصراعات السياسية المستمرة منذ سنوات.
إقليم كوردستان بلا رواتب
ويعيش سكان إقليم كوردستان، حالة من التوتر المتزايد بسبب التأخير المستمر في صرف الرواتب، فمنذ العام 2014 وحتى الآن، لم تتوصل بغداد وأربيل إلى حلول مستدامة لهذه الأزمة، مما أدى إلى تراكم تأخر صرف الرواتب وتأثير ذلك على الحياة المعيشية للمواطنين.
ويعيش المواطنون في إقليم كوردستان حياة شبه معطلة، جراء اتساع الإضراب العام عن الدوام في الدوائر الحكومية، والمدارس والجامعات ودوائر المرور بخاصة في السليمانية بسبب عدم استلامهم الرواتب منذ أشهر.
ومنذ سنوات، لم يحل ملف الرواتب في إقليم كوردستان، وبقي معلقاً بين الشد والجذب مع الحكومة الاتحادية، وفي كل عام يتجدد هذا الجدل مع إقرار الموازنة الاتحادية، التي تضع شروطاً على الإقليم مقابل تسلمه حصته منها، وأبرزها تسليمه واردات النفط، لكن منذ عامين، بعد توقف تصدير الإقليم للنفط عبر ميناء جيهان التركي، حولت الحكومة الاتحادية رواتب الموظفين إلى “سلف” تقدم للإقليم.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا، ألزمت، في شهر شباط/ فبراير الماضي، حكومة بغداد بدفع رواتب موظفي إقليم كوردستان مباشرة، دون إرسالها إلى حكومة الإقليم، وذلك بعد تأخر لأشهر بتسليم الرواتب.
وأمس الأحد، قالت وزارة المالية العراقية، في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، إنها لا تتحمل مسؤولية عدم صرف الرواتب لإقليم كوردستان في مواعيدها المحددة، مبينة، أن تأخر صرفها هو نتيجة عدم التزام حكومة الإقليم بقرار المحكمة الاتحادية القاضي بتوطين رواتب موظفيهم.
التعاون كفيل بحل الملفات العالقة
وفي هذا السياق، يقول عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، معين الكاظمي، إن “وزارة المالية حسب بيانها الأخير فهي سددت رواتب موظفي إقليم كوردستان والمتقاعدين والمؤنفلين والشهداء بشكل كامل لـ12 شهراً، حسب قاعدة البيانات المرسلة من قبل الإقليم”.
ويضيف الكاظمي لوكالة شفق نيوز، “لكن هناك مؤاخذة على الإقليم بعدم أداء ما بذمته من تسليم الإيرادات غير النفطية (المنافذ والضرائب وغيرها) التي بلغت 4 تريليونات و300 مليار دينار، حسب بيانات قدمها الإقليم”.
ويتابع، أن “هذه المعضلة وغيرها من القضايا ترتبط بأسماء وأرقام الموظفين وغيرهم، ما يتطلب وجود تعاون بشفافية ومصداقية مع وزارة المالية ليتم حل هذه المشاكل المتبقية”.
ويشير عضو اللجنة المالية إلى أن “اللجنة اجتمعت في وقت سابق مع وزيرة المالية وطالبت اللجنة أن يكون هناك تعاون بين الطرفين، وكما أن الإقليم يطالب بحقوقه فهو عليه واجبات من الإيرادات غير النفطية وحتى إنتاج النفط لعشرين شهراً الماضية وتصديره بطريقة غير رسمية، إلى جانب وجود استهلاك محلي 70 ألف برميل يومياً من النفط الخام من المصافي في الإقليم وتباع إلى المواطنين وهذه فيها إيرادات، وكذلك بالنسبة للتصدير الحاصل يومياً بما يقارب 300 ألف برميل يتم تصديره بطرق غير مشروعة”.
وتعود جذور أزمة الرواتب إلى العام 2014، حين تصاعدت الخلافات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كوردستان بشأن إدارة ملفي النفط الموازنة، إضافة إلى تبعات الحرب على داعش وانخفاض أسعار النفط وما تبعه من اجتياح جائحة كورونا في العالم.
وتوقفت بغداد عن إرسال حصة الإقليم من الموازنة، وردت حكومة الإقليم بتصدير النفط بشكل مستقل، وأدى هذا الصراع إلى اضطراب في آليات دفع الرواتب، لتبدأ سلسلة من التأخيرات والتراكمات المالية.
ومنذ ذلك الوقت، جرت العديد من المحاولات لإيجاد حلول وسط بين الطرفين، أبرزها الاتفاقيات المالية التي نصت على صرف حصة الإقليم من الموازنة مقابل التزامه بتصدير كميات محددة من النفط، رغم هذه الاتفاقيات، لم تُنفذ بالكامل بسبب استمرار انعدام الثقة والخلافات السياسية بين الجانبين.
ومع استمرار الخلافات، يتحمل المواطنون في الإقليم العبء الأكبر فتزايدت الدعوات في الآونة الأخيرة من ناشطين سياسيين واقتصاديين بضرورة تنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية التي أكدت حق المواطنين في استلام رواتبهم دون أي تأخير، فيما يبقى التحدي الأكبر هو إيجاد حل نهائي يضمن استدامة دفع الرواتب وإبعاد ملفها عن التسييس.
وطالبت حكومة اقليم كوردستان والوزراء وممثلو الاقليم في بغداد، السبت الماضي، الحكومة الاتحادية بضمان رواتب عام 2025 كاملة دون نقصان.
وقال المتحدث باسم الحكومة بيشوا هوراماني خلال مؤتمر صحفي، إن “بغداد أرسلت أقل من 7 بالمئة من المستحقات المالية للإقليم لغاية الآن”، مشيراً إلى أن “الحكومة الاتحادية لم ترسل مرتبات كوردستان لشهر كانون الأول/ديسمبر 2024 رغم قطعها الوعد في ذلك”.
وأكد هوراماني، أن “بغداد لا تتعامل مع كوردستان ككيان اتحادي دستوري”، مبيناً أن “حكومة الاقليم سلّمت بغداد الاحصائيات كافة الخاصة بالإيرادات المالية وأعداد الموظفين في الإقليم” لافتاً إلى أن “حقوق كوردستان محفوظة ضمن تعديل مشروع قانون الموازنة للعام الحالي”.
صراع سياسي يدفع ثمنه الشعب
وعادة ما تعود الأزمات بين الإقليم والحكومة الاتحادية إلى الواجهة وتتفاقم خاصة ملف الرواتب لأن هذا الملف “لم يعالج فنياً بل تمت معالجته سياسياً”، بحسب الباحث في الشأن السياسي، د.عباس الجبوري.
ويضيف الجبوري لوكالة شفق نيوز، أن “هناك الكثير من الخلافات السياسية التي أثرت على العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية، منها موضوع النفط والرواتب والسقف العالي الذي يُطلب أحياناً من قبل الإقليم، وهذه المشاكل لم تُعقد لها تفاهمات حقيقية لحلها”.
ويؤكد، أن “هذا الصراع هو سياسي يدفع ثمنه الشعب الكوردي والشعب العراقي بصورة عامة، لأنه عندما تكون هناك أزمة على مستوى الحكومة الاتحادية والإقليم فهذا سينعكس سلباً على الواقع الاجتماعي وعلى مستوى العراق، لأن الخلافات اليوم وفق ما موجود من معطيات ومتغيرات في الساحة السياسية الدولية والإقليمية تفرض إرادتها على السياسيين بضرورة الحوار الحقيقي للوصول إلى حلول منطقية لتفادي هذه الأزمات وتجنب انعكاسها على الشعب”.
وخلص الجبوري إلى القول إن “أزمة الرواتب الحالية القشة التي قصمت ظهر البعير، ما يؤكد الحاجة إلى قرار سياسي يتحمل المسؤولية”.
إحصاءات وأرقام
ووفقاً لأرقام أطلعت عليها وكالة شفق نيوز، فإن نسبة الأسر التي تعتمد كلياً على الرواتب الحكومية في إقليم كوردستان تقدر بنحو 70%، وتسبب تأخر صرف الرواتب في السنوات سابقة بارتفاع معدل الديون الشخصية بنسبة 40%.
أما عن حركة السوق وفقاً لتقارير ميدانية أجرتها وكالة شفق نيوز، فقد انخفضت بنسبة من 30% إلى 50% خلال العام 2024 بسبب تأخر الرواتب.
وكان رئيس حكومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، قد قال في اجتماع غير اعتيادي عقد السبت الماضي في أربيل حول مسألة رواتب الموظفين، إن “تعامل بغداد مع كوردستان ليس تعاملاً مع إقليم اتحادي، وتوصلنا إلى نتيجة مفادها أن سلوك بغداد تجاه إقليم كوردستان ظالم وغير عادل وغير مقبول، وينبغي تصحيح مسار العلاقات بين إقليم كوردستان وبغداد”.
وأكد مجلس وزراء إقليم كوردستان، في 8 كانون الثاني الجاري، أنه أوفى بالتزاماته على أفضل وجه ممكن وهو يواصل جهوده مع الحكومة الاتحادية لتوفير الرواتب والمستحقات المالية للإقليم.
وقال المجلس خلال جلسة اعتيادية ناقش فيها مسألة رواتب الموظفين: “للأسف بسبب الإجراءات التي اتخذتها وزارة المالية الاتحادية، على الرغم من أننا الآن في كانون الثاني/ يناير من 2025 والموظفون في المحافظات الأخرى من العراق استلموا رواتب شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024، لكن إقليم كوردستان لم يستلمها”.
وأكد في بيان ورد لوكالة شفق نيوز أن “حكومة إقليم كوردستان قامت بحل جميع المسائل المتعلقة بالموازنة العامة وقوائم الرواتب”.
تعليقات