مقال : ماهر باوزير – حضرموت بين الهوية والطموح.. تحولات في المشهد السياسي

شكرا لمتابعتكم خبر عن مقال : ماهر باوزير – حضرموت بين الهوية والطموح.. تحولات في المشهد السياسي

تقف حضرموت، بجغرافيتها الواسعة ومواردها الاقتصادية الغنية، أمام لحظة فارقة في تاريخها والتغيرات التي شهدتها السنوات الأخيرة أفرزت مشهدًا سياسيًا متحركًا يعكس واقعًا مختلفًا عن الماضي ، لم تعد الشعارات المركزية التي ارتبطت بالقضية الجنوبية تحظى بالنفوذ ذاته ، بل ظهرت أصوات تطالب بخطاب جديد يركز على خصوصية حضرموت وقضاياها الملحة بعيدًا عن الأجندات التقليدية.

التراجع الواضح لدور المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت ليس مجرد انعكاس لإخفاقاته التنظيمية ، بل هو جزء من تحول أعمق في المزاج العام للمواطن الحضرمي في حين اعتمد المجلس لسنوات على شعارات استعادة الدولة الجنوبية لكسب التأييد ، لكن الواقع كشف عن ضعف تأثير هذه الشعارات على حياة المواطنين اليومية . المناسبات التي يتم الحشد لها بالدفع المسبق أو بجهود ضخمة لم تعد كافية لإخفاء التصدعات في المشروع الجنوبي داخل حضرموت ، خاصة مع عجز المجلس عن تقديم حلول عملية لمعاناة الناس من انقطاع الكهرباء وارتفاع تكاليف المعيشة .

في ظل هذا التراجع ، صعدت توجهات حضرمية محلية تسعى إلى رسم مسار مستقل يعكس تطلعات أبناء المحافظة وبات واضحًا أن هناك إدراكًا متزايدًا بأهمية أن تكون حضرموت لاعبًا سياسيًا واقتصاديًا مستقلًا وليس مجرد تابع لأي مشروع سياسي آخر هذا الصعود جاء مدعومًا بوعي مجتمعي متنامٍ لدى الشباب الذين يشكلون قاعدة قوية لدفع عجلة التغيير .

الأوضاع الاقتصادية في حضرموت تلعب دورًا رئيسيًا في صياغة هذا التحول وهي كبرى المحافظات اليمنية ليست فقط مصدرًا أساسيًا للنفط ، بل تتمتع بموقع استراتيجي على بحر العرب يجعلها بوابة اقتصادية مهمة ، ومع ذلك ما زالت مواردها تُستنزف دون أن تعود بفائدة ملموسة على سكانها ، مما دفع كثيرين للمطالبة بكيان حضرمي مستقل قادر على إدارة الموارد وضمان حقوق المواطنين .

الدور المتنامي للقبائل والمكونات الاجتماعية في حضرموت يعكس أيضًا طبيعة المشهد الجديد هذه المكونات لم تعد تكتفي بأدوارها التقليدية، بل أصبحت قوة مؤثرة تسعى إلى سد الفراغ السياسي والتصدي للتحديات المتزايدة وما يميز هذه المرحلة هو الاتجاه نحو بناء تحالفات محلية مرنة قائمة على المصالح المشتركة ، بعيدًا عن الاصطفافات الحزبية أو الإقليمية .

ومع ذلك، فإن هذا المشهد المتغير لا يخلو من التحديات والتدخلات الخارجية تظل خطرًا محدقًا بحضرموت ، إذ تسعى بعض القوى الإقليمية والدولية لاستغلال هذه التحولات لفرض أجندات تخدم مصالحها الخاصة على حساب أبناء حضرموت ، هذا التدخل يتطلب يقظة من القوى المحلية لرفض أي وصاية خارجية والعمل على تحقيق الاستقلالية في القرار السياسي .

وفي هذا السياق ، يبدو أن الحل يكمن في صياغة ميثاق حضرمي جامع ، مثل هذه الوثيقة يمكن أن تشكل خارطة طريق للتوافق الداخلي ، تُحدد من خلالها الأولويات التنموية ، وتؤطر الأدوار السياسية والاجتماعية بعيدًا عن الصراعات أو التبعية .

حضرموت اليوم أمام فرصة تاريخية لاستعادة مكانتها كقوة حضارية واقتصادية مؤثرة في المشهد القادم ومستقبلها يتوقف على قدرتها في توظيف هذه اللحظة التاريخية لصالح مشروع محلي يرتكز على التنمية ، والحوكمة الرشيدة ، وحماية النسيج الاجتماعي وهذه التحولات إن أُحسن استثمارها قد تجعل من حضرموت نموذجًا للتغيير الإيجابي في المنطقة بأسرها.

كاتب وصحفي مصري يتمتع بخبرة تفوق 10 سنوات في إعداد المقالات والتحقيقات الصحفية المتخصصة في القضايا الاجتماعية والسياسية. يشتهر بأسلوبه الواضح والدقيق وقدرته على تغطية الأخبار بتوازن.