مقال : سالمين سعيد بنقح
شكرا لمتابعتكم خبر عن مقال : سالمين سعيد بنقح
قبل مدةٍ قصيرة رأيتُ إعلانًا في صفحة الأستاذة عائشة جابر أعلنت فيه عن صدور كتابها الموسوم بـ (ثلاثية الحب) فقادني الفضول لسؤالها عن هذا الكتاب وعن المكان الذي يباع فيه، فأخبرتني أنها سترسل لي نسخة منه لأطلع عليه واقرأه وبالفعل وعدت فأوفت بوعدها ووصلني الكتاب قبل شهر ونيفٍ من الآن فبدأتُ بقراءته والغوص في أغواره وقد كان الكتاب جيدًا في بابه تناول الكثير من خلجات نفس هذه الكاتبة، فهو انعكاسٌ عما في روح هذه الكاتبة، وقد كنتُ أظنُّ أنها ستتناول فيه قضية واحدة واتجاه واحد في الحب ولكنني تفاجأتُ بأنّ الكتاب لا يسير على نمط واحد كالأنماط التقليدية من حيث الوحدة الموضوعية في سياق الحديث بل تجاوز ذلك بكثير؛ لأنه تناول الحب من منظورٍ ربما يكون أقرب للفلسفي بلغةٍ حداثية، فنرى أنّ الرمز كان طاغيًا فيه وهذا مثالٌ صارخٌ على أنّ الكاتب هنا إنما يهرب من ذاته ويحاول خلق عالمه الخاص.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدلُ على أنّ الكاتبة هنا حاولت تطويع أبجدية اللغة لصالحها لتكون كتاباتها صالحة لكل زمان ومكان وملائمة ليستطيع كل الناس اسقاط بعض نصوصها على حالاتهم النفسية؛ لأنها لم تُسمِّ الأشياء باسمها بل استخدمت لغة الفلسفة والعمق وبالتالي سيجعلك هذا تُعمل فكرك كثيرًا حتى تصل إلى مراد الكاتبة وربما استطعت الوصول إلى معنىً هي لم تقصده ولكنه معنىً صحيح يصلح أن يكون تفسيرًا لهذا النص.
وسيرى القارئ تباينًا واضحًا في نصوص هذا الكتاب فتارةً ترى الكاتبة ستطرد وتارةً تختار الإيجاز على الإسهاب وهذا ذكاءٌ منها في حقيقة الأمر لأنها إنما أرادت ذلك لأنّ الإيجاز في بعض الأحايين يكون أبلغ من الاستطراد وكما قيل لكل مقامٍ مقال.
ومما لفتني في بداية اقتنائي للكتاب تلك العبارات التي جعلتها في ظهر الكتاب عندما قالت:
(مدخلٌ لبعضي هنا ..كلام الحب كثير ..وفلسفته ليس لها نطاق ..اختلف الجميع ولم يصل أحد إلى ثوابت له ..الحب بمقدار صغر كيانه وبرغم حدود حروفه، لكنه من أجمل المشاعر الإنسانية الفياضة ..وعندما يغمر الحب كل تفاصيلك، أحزانك بحب، ألمك تغمره بحب، حروبك وهروبك وأطيافك الذابلة ..اغمر ذاتك بالحب أولًا.)
فقد وضحت في هذا المقطع القصير أنّ هذا الكتاب بمثابة مدخلٍ لجزء منها فهي تعبّر عما في ذاتها تلك الذات التي تسمو بالفكر والأدب والثقافة وتتصارع مع ذواتٍ أخرى شكلت هويتها ووجدانها وهي هنا ليست ذاتًا واحدة بل ذواتٍ في ذات!، ولعلك تتساءل كيف هذا؟ فأقول إنّ المرء ماهو إلا مزيجٌ من أرواحٍ عدة تسكنه وشخصيات كثيرة تتصارع فيه قوى الخير والشر والحنين والحب ..إلخ ولكن في نهاية المطاف لا تتغلب إلا ذاتٌ واحدة وهي التي تشكله بصورته النهائية، وقد يبدو هذا الكلام غريبًا الآن ولكنك ستدرك معناه إذا قرأت هذا الكتاب وتمعنت فيه فإنك حتمًا ستجد فيه شيئًا منك لا محالة.
ثم تراها تقول: “كلام الحب كثير” وبالفعل هو كذلك بل إنه أكثر من أن يُحصر أو يُحد وكذلك الحال بالنسبة لفلسفة هذا الشعور فإنها أعمق مما نظن ونتخيل ولكننا كنا وما زلنا وسنظل نحاول جاهدين للوصول إلى معناه الأسمى وحقيقته التي ما زالت مغيبة عن الأذهان وحارت فيها العقول والقلوب.
إنّ هذا الكتاب يمثلُ فتحًا مبينًا لبداية جديدة صنعتها هذه الكاتبة التي تشق طريقها نحو الإبداع الكتابي بمنظورٍ فلسفي مميز ونادر فهي لا تشبه أحدًا ولا أحد يشبهها فهي أيقونة فريدة في عالم الأدب، ولعل تكوينها الثقافي والبيئي هو الذي جعلها تبدو بهذا الشكل الفريد فهي ليست ابنة ثقافة واحدة بل عاشت بين ثقافتين مختلفتين في الشكل والمضمون إلى حد كبير وهذه معضلة في بعض الأحيان وقد تسبب للأشخاص شرخًا داخليًا في بعض الأحيان وقليلٌ هم الذين ينجون من هذا، ولكن كاتبتنا هنا تميزت كثيرًا وجعلت هذا الاختلاف رافدًا من روافد إبداعها فكانت هكذا مميزة لأنها هي فقط ولا غير.
وهذا الإبداع والتميز يُبشر بالخير الكثير لعالم الأدب في بلدنا فنحن نسعد كثيرًا عندما نرى حركة أدبية شبابية تشق الطريق غير آبهةً بما يحدث.
وقلما يزدهر الأدب في البلدان الغير مستقرة ولكننا اليوم نرى أنّ الأدب هنا قد بدأ مرحلة جديدة وخصوصا عند الجيل الصاعد فهم اليوم على قدرٍ عالٍ من الإدراك والإحساس.
عائشة جابر سيكون لها مستقبلًا باهرًا بإذن الله وستكون علامة فارقة في الأدب اليمني والعربي لأنها تمتلك قلمًا أخاذًا سيمكنها من اعتلى قمم الأمجاد، فهي تمتلك خلفية ثقافية كبيرة وتمتلك قدرةً على مزج الأدب بالفلسفة بأسلوب مختلف ومميز، وعلى أنّ هذا الأسلوب متفاوت في درجات غموضه ووضوحه إلا أنّ هذا يصلح أن يسمى ذكاءً فالحياة لا يمكن التعامل معها بوجهٍ واحد وإنما هناك عدة طرق ووسائل وهي تجيد هذا وتعرف كيف تتعامل مع كل شيء بذكاء وفطنة ولذلك نبشرها ونبشر الساحة اليمنية بقدوم كاتبة تكتب الكلمات بشعورٍ شاعري!.
-سالمين سعيد بنقح
تعليقات