تواجه البنوك السعودية في العام المقبل تحديات متزايدة تتعلق بالسيولة، في ظل التوقعات بزيادة الطلب على الاقتراض لتمويل مشاريع ضخمة تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى المشروعات المرتبطة بتنظيم المملكة لكأس العالم لكرة القدم 2034.
ومع ارتفاع حجم الاقتراض، يبقى النفط وأسعار الفائدة من العوامل الحاسمة في تحديد مدى قدرة المصارف على مواجهة هذه التحديات.
الضغط على السيولة في البنوك السعودية
وتتوقع العديد من التقارير الاقتصادية أن استمرار أسعار النفط دون مستوى 80 دولارًا للبرميل في العام المقبل سيضع ضغوطًا على السيولة في البنوك السعودية.
وتشير التقارير إلى أن المملكة قد تحتاج إلى سعر نفط يصل إلى 100 دولار للبرميل لتلبية احتياجاتها المالية الخاصة بتنفيذ مشروعاتها الكبرى، مثل مشاريع البنية التحتية المرتبطة بـ “رؤية السعودية 2030”.
ووفقًا لتقرير صادر عن “بلومبرغ إنتليجنس”، فإن هذه الفجوة في السيولة قد تشكل تحديًا كبيرًا للمصارف المحلية في الفترة المقبلة.
اقرأ أيضًا: ارتفاع معدل البطالة بين السعوديين.. ماذا يعني ذلك للاقتصاد؟
زيادة الاقتراض وارتفاع فجوة السيولة
من جهة أخرى، أكدت “بلومبرغ إنتليجنس” أن السيولة في المصارف السعودية تبدو “شحيحة” في ظل الزيادة الملحوظة في الاقتراض من بنوك المملكة.
كما بلغت نسبة القروض إلى الودائع في النظام المصرفي السعودي حوالي 106.4% حتى شهر أكتوبر الماضي، وفقًا لتقرير صادر عن “مصرف الراجحي”.
وفي هذا السياق، أشار إدموند كريستو، كبير المحللين لدى “بلومبرغ إنتليجنس”، إلى أن فجوة السيولة في المصارف السعودية بلغت 11% من إجمالي الميزانيات العمومية، أي ما يعادل 111 مليار دولار في عام 2024، بزيادة بلغت 65.7% مقارنة بالعام السابق.
تكاليف التمويل وتداعيات فجوة السيولة
وتسبب الفجوة المرتفعة في السيولة في زيادة تكاليف التمويل لدى المصارف السعودية، ما ينعكس بشكل مباشر على مستوى النقد المتاح لديها وعلى صافي هامش الفائدة.
ويؤدي ذلك إلى صعوبة في استجابة البنوك لزيادة الطلب على القروض، مما يؤثر في قدرتها على تلبية احتياجات السوق، خصوصًا مع تزايد الاستثمارات في مشروعات “رؤية السعودية 2030”.
إصدارات السندات لتعزيز سيولة البنوك السعودية
وأمام هذه التحديات، يتوقع أن تلجأ بعض البنوك السعودية مثل “السعودي الفرنسي” و”الأهلي السعودي” إلى إصدار سندات دولية متوسطة الأجل لتعزيز السيولة لديها.
ووفقًا للتقارير، بلغت إصدارات البنوك السعودية من أدوات الدين حوالي 14 مليار دولار حتى منتصف نوفمبر 2024.
وتوقعت “بلومبرغ إنتليجنس” أن تصل إصدارات الدين من البنوك السعودية إلى مستوى قياسي في العام الحالي، بزيادة من 11.5 مليار دولار إلى 15 مليار دولار.
صادرات السعودية من النفط
دور القطاع الخاص في تحفيز المشاريع الكبرى
وفي سياق مشابه، أكدت وكالة “موديز” في تقرير حديث لها أن البنوك السعودية تواجه تحديات إضافية في توفير التمويل الكافي لمشاريع البنية التحتية والتنمية التي تشكل جزءًا مهمًا من “رؤية 2030”.
ووفقًا لتقديرات “ميد” (MEED)، فإن المملكة تخطط لتنفيذ مشاريع بقيمة 703 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، باستثناء مشاريع الطاقة.
كما تشمل هذه المشاريع العقارات والمرافق والبنية التحتية، والتي تشكل جزءًا مهمًا من سعي المملكة لتنويع اقتصادها.
وفي هذا السياق، شدد وزير المالية السعودي محمد الجدعان في تصريحات سابقة على أهمية تعزيز دور القطاع الخاص في دفع عجلة النمو الاقتصادي، مؤكدًا أن الحكومة السعودية لا يمكنها النجاح وحدها في تنفيذ المشاريع الطموحة، بل يجب حشد القطاع الخاص للمساهمة في تحقيق هذه الأهداف.
اقرأ أيضًا: تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بالسعودية 24% في الربع الثالث من 2024
تأثير أسعار الفائدة على البنوك السعودية
أما بالنسبة لسياسة الفائدة، فهي تشكل عاملاً مهمًا آخر في التأثير على البنوك السعودية.
وفي حين أن خفض الفائدة قد يضغط على هوامش الربحية من الفائدة، إلا أنه قد يعزز ربحية البنوك من خلال زيادة الطلب على القروض، مما يتيح لها التوسع في الإقراض للمشروعات العملاقة.
ومن جهة أخرى، يتوقع أن ترتفع المخصصات بنسبة 40% نتيجة لهذه المخاطر.
كما يستمر البنك المركزي السعودي في اتخاذ قرارات نقدية تهدف إلى استقرار الريال السعودي، مع مراقبة التوجهات العالمية، خصوصًا قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي خفض سعر الفائدة ثلاث مرات خلال العام الجاري.
كما يتوقع أن يسهم خفض الفائدة بوتيرة أبطأ في دعم ربحية البنوك السعودية عبر توسيع نشاطها الائتماني، خصوصًا في المشاريع الكبرى التي تتمثل في مشاريع البنية التحتية والقطاع الخاص.
علاوة على ذلك، تظل البنوك السعودية أمام تحديات كبيرة في إدارة السيولة مع توقعات بزيادة الاقتراض في ظل المشاريع الضخمة المرتبطة بـ “رؤية 2030” وكأس العالم 2034.
وفي هذا السياق، سيكون النفط وأسعار الفائدة من العوامل الحاسمة في تحديد مدى قدرة المصارف على مواجهة هذه التحديات، ما يتطلب حلولاً مبتكرة لضمان استقرار القطاع المصرفي وتمويل المشاريع العملاقة في المستقبل.